جاسر عبدالعزيز الجاسر
لا أحدَ من أبناء دول الخليج العربية يخفي قلقَه من حجم الأخطار التي تحيط بإقليم الخليج العربي المحاصر بالأزمات والمشكلات التي يثيرها نظام ملالي إيران، والتي جعلت من المنطقة العربية ساحةً لتدخلاتها في شؤون الدول العربية، وبالذات دول الخليج العربية. والآن تحاصر الإقليمَ حروبٌ شرسة تهدد أمن واستقرار دول الخليج العربية، فبالإضافة إلى ما يشهده العراق وسوريا من معارك تشارك فيها أطراف عدة بحجة مواجهة تمدد تنظيم داعش الإرهابي، أتاحت هذه الحجة لدول كبرى وأخرى إقليمية الانتقال في حروب الوكالة التي كان يضطلع بها جيوش المليشيات الطائفية، فبالإضافة إلى عناصر داعش والنصرة تواجدت مليشيات حزب الله والجماعات الإرهابية الطائفية القادمة من العراق وأفغانستان والهند وباكستان، إضافة إلى قوات الحرس الثوري. ولما لم تفلح هذه المليشيات في حسم الموقف تدخلت إيران بقواتها النظامية، ثم تبعتها في ذلك روسيا التي أرسلت طيرانها في البداية ثم عززتها بقوات مختارة من الصاعقة والقوات الخاصة، وهو ما جعل تركيا تزيد من تدخلاتها التي كشفت عن وجود عسكري في شمال العراق وحشد مكثف على الحدود، مع نشاط متواصل لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تعزز بتكثيف المشاركة الفرنسية واشتراك الطيران البريطاني الحربي، لتتحول سوريا والعراق إلى مسرح عمليات وحرب عالمية مصغرة، وهي منطقة محاذية ومحادة لدول مجلس التعاون.
وفي الجنوب يخوض الحوثيون وقوات الرئيس اليمني المعزول علي عبدالله صالح حربَ وكالة نيابةً عن نظام ملالي إيران لاختراق أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتهديد الأمن الإستراتيجي للإقليم في جهد تخريبي يتزامن مع التمدد الإرهابي الذي تقوده إيران وحلفاؤها في سوريا والعراق ولبنان، مع وجود تهديد جِدِّي لمملكة البحرين ومحاولات حثيثة لتخريب أمن دولة الكويت والمملكة العربية السعودية من خلال تحريك الخلايا الإرهابية النائمة التي تلقت الأسلحة وتدربتْ في إيران والعراق.
ضمن هذه الأجواء المقلقة لا تزال دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مترددةً في حزم أمرها واتخاذ خطوة متقدمة لمواجهة هذه الأخطار، ولا تزال تعتمد المسكِّنات لتأجيل الحسم، فقبل ثلاثة أعوام طَلَبَ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - في قمة المنامة الانتقالَ من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وقتها لم تكن الحالة بالخطورة نفسها والحصار الذي يتمدد ويهدد كل دول الخليج العربية، وقد تفاعلت مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، ولم تتخذ دولة قطر موقفاً حاسماً، وتحفظت سلطنة عمان، وقتها شكَّل القادة لجنة لدراسة الاقتراح وتم ترحيل المقترح إلى قمتي الكويت وقطر، والآن، وبعد مرور كل هذه المدة يتساءل أهل الخليج العربي وبإلحاح عن ما وصلت إليه اللجان المشكَّلة لدراسة الاقتراح، وهل أثرت الأحداث والحروب التي تشهدها المناطق المحيطة بإقليم الخليج العربي والأخطار الجدية التي تهدد دولها في توصيات تلك اللجان، أم أن أسلوب «المسكنات» وتحفظات البعض لا تزال عائقاً في توحيد دول الخليج العربي للدفاع عن كياناتها وتحقيق مكتسباتها.
والآن وقادة دول مجلس التعاون يحضرون في الرياض، حيث انبثق مقترح الاتحاد لتعزيز مرحلة التعاون، فهل يحقق القادة أملَ وطموحَ أهل الخليج ويعلنوا انطلاقَ الاتحاد لدول الخليج العربية الذي سيضم خمسين مليوناً ونصف المليون لتحصين مكتسباتهم والحفاظ على هويتهم العربية؟!