د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
حققت دول الخليج نجاحات على المستوى الأمني والاستراتيجي على الرغم من خطورة الموقف والتجاذبات التي تهدد أمن المنطقة، سواء من التنظيمات الإرهابية أو من الأطماع الخارجية الأخرى. وقد شكل اجتماع قصر العوجا في قصر الدرعية بالعاصمة السعودية الرياض نقطة فارقة، حينما دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قادة دول الخليج للتباحث في أمر اليمن.
وتكوين تحالف خليجي لتنفيذ ساعة الصفر لوقف النفوذ الإيراني في الجزء الجنوبي من دول المجلس في اليمن، الذي تُوّج بعاصفة الحزم، بعدما تمكنت السعودية من استعادة الأمن والاستقرار في أكبر بلد عربي مصر، رغم استمرار قلق قادة دول المجلس حول التطورات في سوريا والعراق وانعكاساتها على أمنها، وهي مستمرة في مواجهتها بالسبل كافة. أصبحت إنجازات مجلس التعاون الخليجي مؤشراً بالغ الدلالة على صلابة الإرادة والموقف والقوة والعزيمة من كل القضايا التي تمس الأمتين العربية والإسلامية، وبشكل خاص سعت إلى حماية أمن واستقرار الشعوب الخليجية، وفرضت عليها أهمية تبني استراتيجية الدفاع المشترك التي تحدد السياسات والمفاهيم العامة، والتطلعات التي تتجاوز حدودها الحيوية لضمان سلامة أمن المنطقة من أي خطر خارجي، وبشكل خاص النفوذ الإيراني الذي يهدد أمن المنطقة العربية، وبشكل خاص أمن منطقة الخليج. دول مجلس التعاون الخليجي تسعى إلى التكامل وصولاً إلى الوحدة. ومر مجلس التعاون الخليجي بعدد من الأزمات التي مرت بالمنطقة، والتي من أهمها الغزو العراقي لدولة الكويت. ومنذ القمة الثالثة التي عقدت في البحرين عام 1982 أقر القادة بناء القوة الذاتية للدول الأعضاء، والتنسيق بينها بما يحقق اعتماد دول المنطقة على نفسها في حماية أمنها والحفاظ على استقرارها. وفي القمة الرابعة التي عقدت في قطر عام 1983 تدارس القادة أثر الحرب العراقية - الإيرانية على دول المنطقة. وفي القمة السابعة التي عقدت في أبو ظبي عام 1986 رفض القادة ربط مفهوم الإرهاب بالعرب، وأول قرار اقتصادي اتخذ في تلك القمة السماح للمستثمرين من مواطني دول المجلس بالحصول على قرض من بنوك وصناديق التنمية الصناعية في الدول الأعضاء، ومساواتهم بالمستثمر الوطني من حيث الأهلية.
وكانت القمة العاشرة التي عقدت في مسقط عام 1989 قد طالبت المجتمع الدولي بتأييد اتفاق الطائف حول حل الأزمة اللبنانية ودعم الشرعية اللبنانية. وفي القمة الـ12 التي عقدت في الكويت بارك المجلس عودة الشرعية إلى الكويت. وفي القمة الـ15 التي عقدت في المنامة تبنى المجلس خطوات لبناء القوة الدفاعية الذاتية في ظل استراتيجية موحدة، كما قرر تطوير قوة درع الجزيرة؛ لتصبح قادرة على التحرك الفعال السريع. وأتت القمة الـ16 في مسقط عام 1995 التي أقرت التوصيات المتعلقة بالربط الكهربائي بين دول المجلس. وأتت القمة اللاحقة في الدوحة بإقرار توحيد التعرفة الجمركية لدول المجلس، وإقامة اتحاد جمركي.
وفي قمة الكويت الـ18 عام 1998 أقر المجلس تسهيل إجراءات تنقل المواطنين وانسياب التجارة. بينما في قمة الملك فهد عام 2005 التي عقدت في أبو ظبي اعتمد المجلس وثيقة السياسة التجارية الموحدة لدول المجلس. وأعلن في قمة الدوحة عام 2007 قيام السوق الخليجية المشتركة بدءاً من يناير 2008. فيما اعتمد المجلس اتفاقية الاتحاد النقدي في قمة مسقط عام 2008، ثم أتت القمة الاستثنائية في 15 يناير عام 2009 في الرياض بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي قمة أبو ظبي 2010 قرر المجلس السماح للشركات الخليجية بفتح فروع لها في دول المجلس، وتطبيق المساواة التامة في معاملة هذه الفروع. وواصلت قمة الرياض عام 2011 اعتماد الهوية الشخصية، كإثبات هوية لمواطني دول المجلس، واعتماد القواعد الموحدة لإدراج الأوراق المالية.
وتماشياً مع تطورات الثورات العربية ومحاولة إيران التدخل في البحرين صادق المجلس في دورته الـ33 في المنامة على قرارات الدفاع المشترك، وإنشاء قيادة عسكرية موحدة، ثم أتت القمة اللاحقة في الكويت 2013 بتفعيل الدفاع المشترك، وإدانة الأسد بشن حرب إبادة في حق الشعب السوري. وأكدت القمة الـ35 في الدوحة بإنشاء قوة الواجب البحري الموحدة.
لكن تأتي القمة الـ36 التي تُعد من أكثر القمم أهمية، وخصوصاً أنها أتت بعد تنفيذ عاصفة الحزم في اليمن، وما زالت تعاني تحديات أمنية، وأيضاً اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط، والتي عقدت في الرياض. ورغم أن التحدي الأمني يطغى على انعقاد قمة الرياض؛ بسبب العديد من الملفات الأمنية في اليمن وسوريا والعراق، لكن يأتي كذلك الملف الاقتصادي على رأس أولويات هذه القمة؛ ما يعني أن دول المجلس مطالبة باتخاذ قرارات استراتيجية سريعة، تختصر الزمن نحو المزيد من التكامل والتنسيق فيما بينها.
الاقتصاد الخليجي يبلغ 1.64 تريليون دولار عام 2014، حصة السعودية منه 45 في المائة، تليها دولة الإمارات بنسبة 24 في المائة من الاقتصاد الخليجي؛ إذ يبلغ 401 مليار دولار. ويبلغ حجم التجارة البينية الخليجية 146 مليار دولار، نصيب السعودية بمفردها منه 74.7 مليار دولار. ومتوسط نصيب الفرد الخليجي 32.1 ألف دولار في عام 2014 من عدد السكان البالغ عددهم 51.1 مليون نسمة.
بنظرة تحليلية سريعة للاقتصاد الخليجي منذ عام 1981 حتى 2014، فإن الناتج المحلي الخليجي ارتفع من 274 مليار دولار عام 1981 إلى 383 مليار دولار عام 2000، لكنه قفز إلى 681 مليار دولار عام 2005، ثم قفز إلى 1449 مليار دولار عام 2011، وواصل ارتفاعه إلى أن بلغ عام 2014 نحو 1640 مليار دولار.
وكان نصيب السعودية عام 1981 من الاقتصاد الخليجي 67 في المائة، انخفض عام 2014 إلى 45 في المائة لصالح دولتين، هما الإمارات؛ إذ ارتفع نصيبها من 16.4 في المائة عام 1981 إلى 24.3 في المائة عام 2014، كما ارتفع نصيب دولة قطر من 3.2 في المائة عام 1981 إلى 12.6 في المائة عام 2014، فيما تضاعف الاقتصاد الخليجي خلال تلك الفترة ستة أضعاف.
يبقى متوسط نصيب الفرد في دول الخليج 32.1 ألف دولار، يوازي متوسط نصيب الفرد في الاتحاد الأوروبي، لكنه يقل عن متوسط نصيب الفرد في الولايات المتحدة الذي يبلغ 54 ألف دولار، وكذلك ألمانيا وفرنسا. في المقابل يرتفع متوسط الدخل في النرويج إلى 94 ألف دولار.
كما تُعتبر التجارة البينية بين دول الخليج ضعيفة جداً، رغم أنها ارتفعت من 8 مليارات دولار عام 1981 إلى 100 مليار دولار عام 2012، ثم إلى 146 مليار دولار عام 2014، وهي لا تزال عند نسبة 10 في المائة من تجارة دول الخليج الخارجية. بينما تبلغ وترتفع التجارة الداخلية البينية في دول الاتحاد الأوروبي إلى 136 مليار يورو في فبراير 2015 من أصل مجمل تجارة خارجية صادرات وواردات تصل إلى 300 مليار يورو، أي أنها عند نسبة 55 في المائة من مجمل التجارة الخارجية.
دول المجلس بحاجة إلى استراتيجية خليجية مشتركة لمواجهة تذبذب أسعار النفط، من خلال تنمية الصناعات التحويلية من أجل تعزيز التكامل الاقتصادي، والاهتمام بإنتاجية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي لا تتجاوز 22 في المائة من الناتج المحلي الخليجي، وهي حصة منخفضة مقارنة بمناطق أخرى أقل تطوراً ونمواً. ويمتد هذا إلى مستوى استخدام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للعمالة في دول الخليج التي تمثل نحو 40 في المائة فقط، مقارنة بدول أخرى تستخدم ما بين 60 و80 في المائة وحتى أكثر في بعض الدول.
ففي الاتحاد الأوروبي تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة 99.8 في المائة من جميع الشركات و66.9 في المائة من العمالة و58.1 في المائة من القيمة المضافة، أي بنحو 88.8 مليون وظيفة، وأكثر من 3.6 تريليون يورو في القيمة المضافة، و34 في المائة من مجموع صادرات الاتحاد الأوروبي، أو 1.54 تريليون يورو، يسهم فيها مصدرو الشركات الصغيرة والمتوسطة. بينما في الولايات المتحدة تمثل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيها 99 في المائة من جميع الشركات، توظف 50 في المائة من القوى العاملة في القطاع الخاص، وتستأثر بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي غير الزراعي، وتمثل 34 في المائة من إجمالي الصادرات الإجمالية، بل ترتفع نسبة الصادرات في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الصين إلى 41.5 في المائة من مجموع الصادرات من حيث القيمة؛ لأن الصين أكدت أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ودورها في الاقتصاد الصيني عندما انتقلت إلى مرحلة اقتصاد السوق، بل اعتبرتها المحرك الأساسي لهذا الانتقال.