د. عبدالواحد الحميد
الاستهلاك الجائر للماء في بلدنا الصحراوي يضع علامات تعجب واستفهام كبيرة عن مدى إدراكنا لخطورة الوضع بالرغم من أننا ما زلنا نلوك مصطلح «ترشيد استهلاك المياه» منذ عشرات السنين!!
مؤتمرات وندوات وأوراق عمل كثيرة ناقشت خطورة الوضع وقدمت معلومات مقلقة عن واقع الحال وما هو متوقع مستقبلاً في ظل هذا الاستهلاك الجائر للماء. وكانت بلادنا قد تورطت في سياسات زراعية ثبت خطؤها تتعلق بزراعة القمح والأعلاف رغم عدم ملاءمة بيئتنا الصحراوية لهذه الأنواع من المحاصيل غير المناسبة التي يمكن استيرادها بسهولة أو على الأقل ترشيد طريقة زراعتها باستخدام الأساليب المناسبة.
ما زلت أتذكر ندوة أقيمت في الدورة الرابعة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة بعنوان «ماذا بعد النفط». وقد أقيمت الندوة بتاريخ 17- 8-1408هـ الموافق 4-4-1988م، وشاركت فيها بورقة مع كل من الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي سفير المملكة حاليًا في الولايات المتحدة والمفكر القطري علي بن خليفة الكواري والمرحوم الدكتور أسامة عبدالرحمن. وعند تقديم ورقتي قلت للحضور إنني اخترت لورقتي عنوان «ماذا بعد الماء» بدلاً من «ماذا بعد النفط» لأن الماء أهم من النفط ولأن الخطر الحقيقي الذي يهدد بلادنا ليس نضوب النفط وإنما نضوب الماء، وأنه لا بد من مراجعة سياستنا الزراعية التي تهدر ثروتنا المائية الناضبة في ري محاصيل غير مناسبة لبيئتنا الصحراوية، والتوقف عن زراعة تلك المحاصيل التي تم الترويج لزراعتها في ذلك الوقت كما لو أنها كانت مكسبًا وطنيًا.
وبكل أسف استمرت زراعة القمح وزراعة الأعلاف، واستمر هدر الماء! وكان لا بد من إيقافها وتعويض المزارعين الذين تورطوا في زراعتها بسبب التشجيع الرسمي آنذاك، وبخاصة صغار المزارعين الذين اقترضوا المال واستنفدوا مدخراتهم الشخصية في زراعة القمح والأعلاف.
أصوات وطنية كثيرة قدمت في مناسبات وأوقات عديدة معلومات علمية دقيقة عن الوضع المائي الحرج في بلادنا مثل الدكتور محمد القنيبط والدكتور عبدالله بن ناصر الوليعي وغيرهما، ومع ذلك ما زال الهدر مستمرًا بالرغم من بعض التحسن النسبي الذي طرأ الذي لا يعتبر كافيًا.
في الأسبوع الماضي أقر مجلس الوزراء عددًا من الترتيبات، من بينها إيقاف زراعة الأعلاف الخضراء في مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وتكليف وزارة الزراعة بإعداد دراسة شاملة حول الموضوع ورفع ما تتوصل إليه للمقام السامي خلال مدة لا تتجاوز تسعين يومًا.
أتمنى أن ينجح هذا القرار بشكل نهائي في إسدال الستار على تجربة زراعة الأعلاف وزراعة المحاصيل التي لا تناسب بيئتنا الصحراوية وأن يتم مراعاة مصالح المزارعين المتضررين لأنهم كانوا ضحية قرارات خاطئة منذ البداية.