د. أحمد الفراج
من يتابع الحراك السياسي حول العالم، يلحظ أن هناك توجها نحو المحافظة السياسية، فبعد الحرب العالمية الثانية، والتي قامت على أفكار عنصرية إقصائية، من الزعيم الألماني أدولف هتلر، تعلم العالم درسا عن أهمية التسامح، ولذا فإن ما أعقب الحرب العالمية صار فترة ازدهار، قل أن يشهد لها التاريخ مثالا، ثم جاءت نهاية الحرب الباردة، وسقوط جدار برلين، وخرجت معظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق من القبضات الحديدية، إلى الحراك الديمقراطي الناشئ، وتفاءل العالم خيرا. هذا، ولكن أحداث سبتمبر، في 2001، وما أعقبها من أحداث، أعاد العالم إلى نقطة الصفر، وأصبح المحرك للمحافظة السياسية دينيا، هذه المرة، بعد أن كان عرقيا، خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يكن أحد يتوقع أن تتطور الأحداث، والتي كان مسرحها عالمنا المنكوب، وبعض الساحات العالمية، في قلب أوروبا وأمريكا، لنشاهد عودة قوية للعنصرية، والإقصاء، وصلت مرحلة تنذر بشؤم عظيم.
المرشح الجمهوري الأمريكي، دونالد ترمب، وصل إلى أقصى مراحل التوجس والجنون، وذلك باقتراحه منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يخالف القوانين الدولية، والدستور الأمريكي، والمرعب هو أن اقتراح ترمب لاقى قبولا واسعا من الجمهوريين، وعلى خطى ترمب تسير زعيمة الجبهة التقدمية «النازية» في فرنسا، مارين لوبن، فبعد أن كان حزب والدها العنصري شبه معزول سياسيا، هاهي الآن زعيمة الجبهة تقود حزبها المتطرف، في 2015، ليصبح أكبر حزب سياسي، بعد أن كان ثالث أكبر حزب، في عام 2014، وهذا لا يتماشى مع حقيقة أن فرنسا هي المعقل الرئيسي للحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وقد زاد الأمر تعقيدا تلك الهجمات الإرهابية، التي ضربت باريس، إذ أضفت مصداقية على كل الأطروحات العنصرية للجبهة التقدمية، خصوصا ما يتعلق بالعرب والمسلمين.
الواقع المؤلم يقول: إن زعيمة الجبهة التقدمية «العنصرية»، في فرنسا، تسجل أهدافا بالجملة في مرمى خصومها السياسيين، والمزعج هو أنها شخصية تتمتع بمواصفات السياسي المراوغ، والانتهازي، وقد اختارتها مجلة تايم الشهيرة، أكثر من مرة، لتكون من ضمن المائة شخصية، المؤثرة عالميا، وغني عن القول: إن انتخاب مثل السيدة لوبن لزعامة فرنسا، لو تم، سيكون أثره مدمرا على فرنسا، فأفكار مارين لوبن، لا تبتعد كثيرا عن أفكار الزعيم النازي، أدولف هتلر، والذي كاد أن يدمر البشرية، وهذا يعني ميلاد «نازية جديدة» في قلب أوروبا، أي في فرنسا، معقل التسامح والديمقراطية!!، كما أن انتخاب مارين لوبن سيؤثر حتما على علاقات فرنسا بالدول العربية والإسلامية، وبالذات الدول الأكثر أهمية، مثل دول الخليج، وتحديدا، المملكة العربية السعودية، ذات الثقل العالمي سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وهذا سيكون تهديدا «جدياً وحقيقياً» للمصالح المتبادلة بين فرنسا، ودول العالمين العربي والإسلامي، ومع ذلك، فنحن على يقين، بأن فرنسا، والتي عانت من الاحتلال النازي «العنصري والبغيض» ذات زمن، ستركن إلى صوت العقل، عندما تحين ساعة الحقيقة، ففرنسا، بتاريخها العظيم، وعلاقاتها المتميزة، والنموذجية، مع دول العالم أجمع، أهم ألف مرة للفرنسيين من مستقبل زعيمة عنصرية، تطمح إلى إعادة التاريخ الأوروبي «النازي»، و»الفاشي»، بأبشع صوره، ولا يوجد من هو أحرص على ترسيخ القيم الإنسانية «العظيمة» من شعب فرنسا، وعلى زعيمة النازية الجديدة، مارين لوبن، أن تدرك ذلك!.