عبدالعزيز السماري
كثيرًا ما نطلق مصطلح النازية على الخطاب الغربي المتطرف ضد العرب والمسلمين، وهو مصطلح عارض، وقد يسيء فهم جذور العنصرية الغربية، وكما ذكر الدكتور عبدالوهاب المسيري في مجلده الضخم، أن كلمة «نازي» مأخوذة بالاختصار والتصرف (بهدف التهكم والسخرية) من العبارة الألمانية «ناشيونال سوشياليستيش دويتش أربايتربارتي، أي «الاشتراكية القومية»..
الشوفينية مصطلح آخر يتم ترديده عند الحديث عن التطرف اليميني الغربي، وهي الاعتقاد المغالي في الوطنية، وتعبر عن غياب رزانة العقل والاستحكام في التحزب لمجموعة ينتمي إليها الشخص والتفاني في التحيز لها؛ وخصوصًا عندما يقترن الاعتقاد أو التحزب بالحط من شأن الآخرين والتحامل عليها، وتفيد أيضًا معنى التعصب الأعمى.
ينسب اللفظ إلى جندي فرنسي أسطوري اسمه نيكولا شوفان، شديد الغيرة على فرنسا ومتفانٍ في القتال في جيش الجمهورية نابليون في حروبه دون التفات أو شك بحصافته، أو مساءلة لجدارة قضيته، فقُصد بها الإشارة إلى التفاني الأعمى للجندي المتحمس والمتزمت بعنجهية برأيه في قضية الوطنية..
وبعيدًا عن المصطلحات يمكن فهم الموقف العنصري الغربي، النازي أو الشوفيني على لسان هتلر الواضح في كتابه «كفاحي»، حين يقول: «حزبنا يقوم على تصوّر عرقي للعالم وهذا هو الجزء الأساسي من عقيدته، والحزب يعمل من أجل الانتصار النهائي للتفوق العرقي»، وجاءت هذه الأفكار من فهم خاطئ لفلسفة نيتشة..
فالمتطرف الغربي يعتقد أن الإنسان الأبيض يحمل في دمه عرقًا متفوقًا، ولهذا السبب هم يسودون العالم علميًا واقتصاديًا وحضاريًا، وأن الأمم الأخرى يعانون من حالة قصور ذهني، تجعل منهم إما متوحشون يتقاتلون أو اتباع ليس لهم إرادة مستقلة..
عادة ما يتحرك الموقف الغربي المتطرف بعنصرية مفرطة ضد مخاوفة الجديدة، التي كانت في الماضي أقليات اليهود والغجر، لكنها تصالحت مع هذه الأقليات بعد الكارثة النازية، وبرز الموقف العنصري الجديد ضد المسلمين، وخصوصًا العرب منهم، واستغلوا حوادث التفجيرات الأخيرة لإبراز تلك مخاوفهم من المسلمين، والحد من موجات هجرتهم من الجنوب، وذلك ليس بجديد..
في عام 2008 أعلنت أحزاب من اليمين المتطرف من دول أوروبية في مدينة أنفير البلجيكية تأسيس منظمة جديدة تهدف إلى مكافحة ما اسمته بـ»الأسلمة» في أوروبا، وشارك أيضًا في إطلاق المنظمة ممثلون للحزب اليميني الألماني، والحزب الوطني البريطاني، ولأحزاب إيطالية ودنماركية، وقال المسؤول في حزب «المصلحة الفلامنكية» برت ديبي: «يجب وقف افتتاح مساجد في مدن مثل أنفير، ويجب وقف وصول المسلمين.
تسهم الديموقراطية وحرية التعبير في إبراز مختلف المواقف في المجتمع الغربي، وتشكل مجموعات اليمين المتطرف أحد هذه المواقف، وقبل اتخاذ موقف عدائي ضد هذه الأصوات يجب فهمها جيدًا، والدور الأهم يقوم على الأقليات العربية والمسلمة، فعليهم أن ينتظموا في جماعات للدفاع عن حقوقهم، وقبل ذلك أن يقدموا صورة حضارية عن ثقافتهم وحضارتهم.
لدي ثقة تامة أن العقل الأوروبي التنويري لن يسمح بوصول الكراهية والتطرف إلى كرسي السلطة، ولو حدث ذلك، وهو أمر مستبعد، ستضرر مصالح أوروبا مع الشرق العربي، وستخسر اقتصاديًا، وستتراجع حضارتها التنويرية إلى الخلف كثيرًا، وقد يكون للإعلام العربي دور أكبر في المستقبل، فالبث العربي باللغات الأوروبية محدود، بينما يكاد يكون لكل قناة إعلامية أوروبية بث عربي موجه..
من أجل هزيمة التطرف اليميني الغربي علينا أن نفهم أنفسنا في الشرق العربي، فالتطرف أيضًا يكاد يمزق مجتمعاتنا، ولن تنفع الشعارات التي نطلقها من فترة لأخرى، وحان الوقت في أن نبدأ مرحلة التغيير في أنفسنا أولاً، فكراهية الآخر لها جذور أيضًا في ثقافتنا، وعلينا الخروج منها وتعزيز التواصل الحضاري مع الآخر الداخلي والآخر خارج المجتمعات العربية..