يوسف المحيميد
قبل سنوات ليست بعيدة، كان الناس يتحدثون بتردد عن التأمين، ولا أحد يفكر بالتأمين على سيارته أو مسكنه أو صحته، ويعتبرون ذلك رفاهية وإسرافاً في المصروفات العائلية، بل كانت شركات التأمين التي تطرح أسهمها للاكتتاب من أكثر الشركات محاربة من قبل بعض فئات المجتمع، إلى درجة أن تفوق مقاطعتها أحياناً، مقاطعة الاكتتاب في البنوك، لكن الظروف تغيرت الآن، ولأننا شعب كبقية شعوب العالم، نسير رغم أنوفنا، اقتصاديا واجتماعيا، ضمن سيرورة الأمم المتحضرة، أصبح التأمين جزءا من واقعنا، شئنا أم أبينا، فلم يعد البعض يؤمن على سيارته بسبب نظام المرور واشتراطاته، وإنما حفاظاً على سيارته، بالتأمين الشامل أحياناً، كما ظهر أيضاً بين الأسر من تهتم بالتأمين الطبي، حتى ولو اقتطعت تلك الأسرة جزءا من دخلها السنوي!
هذه الأسر المهتمة بالتأمين الطبي هي عادة من الأسر القادرة، ذات الدخل السنوي المرتفع، أما أسر الطبقة الوسطى، وهي الشريحة الأكبر في مجتمعنا، لا تستطيع دفع قيمة التأمين، لأفراد يتراوح عددهم بين ستة وثمانية، وما زالت تعتير ذلك أمراً ثانوياً، فهو من قبيل الصرف على الاحتياجات الكمالية وليست الضرورية، لذلك لم يكن مستغرباً تصريح مسؤول في مجلس الضمان الصحي، بأن عدد السعوديين المؤمن عليهم صحياً، لا يتجاوز 30 بالمائة من إجمالي المؤمن عليهم بالمملكة، البالغ عددهم 10.96 مليون للعام الجاري 2015، أي أن ما يقارب 70 بالمائة من المؤمن عليهم صحيحاً بالمملكة هم من الأجانب، وذلك لأنهم هم من يقود القطاع الخاص، ويستولي على مقدراته، وهو القطاع الذي يمنح موظفيه تأميناً طبياً، بينما معظم السعوديين يعملون في القطاعات الحكومية، العسكرية والمدنية، وهم ممن لا يحظون بالتأمين الطبي، ما عدا بعض القطاعات العسكرية التي يتوفر لها مستشفيات خاصة بها، أما السواد الأعظم من القطاعات الحكومية، وهم موظفو الدولة، والمعلمون، فهم بلا تأمين طبي لهم، ولا لأسرهم، ومعظمهم يعالجون في مستشفيات حكومية مزدحمة، تتجاوز المواعيد في بعضها سنة كاملة!
لذلك أشعر إذا كان ثمة تحد كبير أمام وزارة الصحة، ووزارة التعليم، وكافة وزارات الدولة، فهو توفير التأمين الطبي لموظفيها وأسرهم، وهو كما أعلم كان من أولويات جميع الوزراء الذين حملوا حقيبة الصحة، لكنهم في النهاية سلموا هذه الحقيبة فارغة إلا من الفشل الذريع، بالرغم من ازدهار قطاع التأمين عموماً، بما يزيد عن خمس وثلاثين شركة في المملكة، بإجمالي حقوق ملكية تزيد عن عشرة مليارات ريال.
إذا كان هناك تحد حقيقي يواجه وزير الصحة المهندس خالد الفالح، فهو إنجاز هذا الملف الشائك، أعني التأمين الطبي لكل مواطن، وبالتالي القضاء على معظم المشكلات التي تواجه المواطن في الحصول على خدمات طبية محترمة، فهل ينجح في ذلك، وهو القادم من مدرسة أرامكو الناجحة في العمل الإداري المتقن؟