يوسف المحيميد
بعيداً عن الأسعار، والعرض والطلب، وتوازن السوق، وبعيداً عن مؤشرات السوق والتنبؤات حول النصف الأول والثاني من العام القادم، ومنذ عشرات السنين، يناقش الجيولوجيون والمختصون في مصادر الطاقة أمرين لا ثالث لهما، نضوب النفط، والوصول إلى ذروة الإنتاج، التي تعني الوصول إلى أعلى مرحلة من إنتاج البترول في العالم، وهي اللحظة التي تعني أن نصف كمية النفط الخام ستبقى موجودة في باطن الأرض، تنتظر الضخ والاحراق!
ومنذ عشرينيات القرن الماضي، وهؤلاء الجيولوجيون يضعون سنة محددة للوصول إلى الذروة، بل إنهم صاحوا بذعر محذرين أن النفط سينضب بعدما نفدت آبار بنسلفانيا بسرعة خلال العقدين الأولين من القرن الماضي، وتوقعوا أنها نهاية عصر النفط، قبل اكتشاف كميات هائلة منه شرقي تكساس وفي دول الخليج العربي وغيرها في العالم.
ولعل من أكثر الجيولوجيين شهرة وتأثيرًا كان ماريون كينغ هوبيرت، الذي كان عالماً فذَّا، ونجماً تتخطف الصحافة تصريحاته خلال الفترة الممتدة بين الخمسينيات والسبعينيات، وهو ممن أطلق تصريحًا مقلقًا، بأن حقبة الوقود المستخرج من الأرض ستكون قصيرة جدًا، وقد توقَّع أن تكون ذروة الإنتاج النفطي للولايات المتحدة بين عامي 1966 و1972، وقد وصلت فعلاً ذروة الإنتاج عند 9.64 في عام 1970، وهو ما جعله يحظى باهتمام الاقتصاديين ومختصي الطاقة والساسة وغيرهم، ورغم تفسير طريقته في كيفية حساب ذروة الإنتاج الأمريكي، إلا أنه فشل في تحديد ذروة الإنتاج العالمي، وحينما توفي عام 89، أي قبل سنة الذروة التي توقعها في عام 2000، اتضح أن الإنتاج العالمي مستمر بالتزايد، ليس فقط في اكتشاف آبار جديدة فحسب، وإنما في اكتشاف تقنيات جديدة تسهم في خفض تكاليف الإنتاج من المناطق ذات التكلفة العالية، مثل أعماق البحار، أو حتى الزيت الصخري.
كل هذا الحديث، لا يعني أن النفط مادة ليست ناضبة، بل هي كذلك، ويصعب تعويضها، ولا يملك العالم تجاه ذلك سوى طريقة وحيدة ومهمة في المحافظة على مصدر الطاقة الأهم، وهو الوقود الإحفوري، الذي ظل هو أهم مصادر الطاقة الرخيصة في العالم، تلك الطريقة هي ترشيد استهلاك الطاقة في الحياة اليومية، والاستمرار في اكتشاف كل الطرق التي تجعل الأجهزة العاملة بالمشتقات البترولية، ذات كفاءة عالية في الاقتصاد وتوفير الطاقة المستخدمة.
في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، اهتم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ببرامج ترشيد الطاقة، وحاول أن يحول مجتمعه من مفرطين في استهلاك الطاقة، إلى مستخدمين معتدلين، ولكن لسوء الحظ، أعقبه الرئيس الجمهوري رونالد ريجان، فتجاهل هذه البرامج، وأهملها، فعاد المجتمع الأمريكي إلى الإفراط في استخدام الطاقة، هذه البرامج مهمة للغاية في جميع الدول التي تفرط في الاستهلاك، ولعلنا نجحنا في المملكة مؤخرًا في هذه البرامج، خاصة ما يقوم به المركز السعودي لكفاءة الطاقة، الذي أعاد هيكلة مواصفات السيارات والمكيفات والأجهزة الكهربائية عموماً، لتحقيق وفر في استهلاك البترول في الداخل.