فهد عبدالله العجلان
أمام مجلس الشورى، أمس، وقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ليخاطب الشعب السعودي والعالم، راسماً ومحدداً خطوط السياسة المحلية والخارجية لقلب العالم العربي والإسلامي؛ المملكة العربية السعودية، فبعد التأكيد على الثوابت والمرتكزات التي أُسست عليها البلاد، كانت لغة المليك واضحة حول تعزيز المساواة بين المواطنين ونبذ الفرقة والخلافات وجميع المظاهر التي تقود إليها، بدءاً من التصنيف الذي يفتت القوى ويشتتها وليس انتهاءً إلى الممارسة التي تحوّل البلاد وأهلها إلى قطع وأجزاء متناحرة.
حديث المليك كان واضحاً أن الوطن واحد، وأننا جميعاً يجب أن نعامل أبناءه بذات المساواة، وأن نشرع لهم بوابة الحلم ورياح الطموح دون قيود في ظل نظام الدولة وإجراءاتها.
خطاب المليك كان واضحاً للمسؤولين الذين حضروا وأنصتوا للكلمات، فالتيسير على المواطنين وتوفير سهولة الحياة الكريمة لهم، هما أساس التطوير والتحديث، ومعيار أداء المسؤولين؛ حيث إن خدمة المواطن في عهد سلمان هي أولى الأولويات، والتنمية محورها الإنسان، وكل ذلك لن يتأتى بكفاءة وفاعلية دون مراجعة أنظمة الجهات الرقابية وتطويرها بما يحقق الهدف المنشود، وهو محاسبة المقصرين والفاسدين والمعتدين على المال العام.
لم يتجاوز الملك في خطابه تفاصيل الرفاه الاقتصادي للمواطن السعودي فكانت كلماته مطمئنة أن الظروف الاقتصادية المرتبطة بانخفاض أسعار البترول لن تؤثر على الرعاية الصحية للمواطنين، وستعمل الحكومة على أن تكون المستشفيات المتخصصة والمراكز الصحية متاحة للجميع.
وبما أن التعليم والصحة هما عماد بناء الإنسان، أكد المليك -أيضاً- توجيهه لتطوير التكامل بين التعليم العام والعالي لردم الهوة التي يعاني منها سوق العمل من جهة المخرجات.
خاطب المليك القطاع الخاص ممثلاً برجال الأعمال بلغة الشريك التنموي، مذكراً بحجم دورهم والدعم الذي قدمه الوطن لهم، وأن ذلك لا بد أن يترجم في مبادرات لمعالجة أزمة البطالة، كما دعاهم إلى تقديم مبادرات اجتماعية واقتصادية، وفي هذه الرؤية العميقة بُعدٌ تنموي مهم؛ حيث يتم تجسير الهوة بين القطاع الخاص والمجتمع من خلال مبادرات يقترب فيها القطاع الخاص من قلوب الناس بما يخلق الثقة بين قطاع الإنتاج والاستهلاك لتعزيز مسار التنمية.
حلول الإسكان العاجلة كانت حاضرة في كلمة الملك سلمان كما هو حضور رجال الأمن البواسل المدافعين عن حياض الوطن، ففي حديثه لهم، أكد أن تعزيز قدرات الدفاع محل اهتمامه، وأنهم محل القلب في جسد الوطن.
كلمات المليك كانت تترجم حقيقة أن المنجزات التي لا تملك القوة الكافية لحمايتها مهددة بالزوال، وأن المملكة بقدر إنجازاتها فإنها تملك القوة لحماية ما حققت وما ستحقق.
حول السياسة الخارجية كان خطاب المليك واضحاً عن التزام المملكة بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية واحترام السيادة ورفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، مشيراً إلى الدور التاريخي الذي تضطلع به المملكة لتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف من أجل التضامن العربي تجاه المخاطر التي تحدق بالمنطقة.
وحول الإرهاب كان حديث المليك واضحاً أن المملكة لن تألو جهداً في مكافحته ومواجهة كل أشكاله أياً كانت مصادره، بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة.
ولحديث الملك سلمان أهمية كبرى في هذا الجانب؛ فالمملكة قلب العالم الإسلامي ومكنون إرثه وتاريخه، وهي الأقدر والأكثر فعالية في مواجهة من تدثروا بدثار الإسلام لهدمه من الداخل، ولذا فهم يعتبرون المملكة العربية السعودية العدو الأول والأخطر لهم، ليقينهم أنها الصخرة التي تقف دون امتداد أفكارهم وأحلامهم.
خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمام الشورى كان مهماً في مرحلة تمر فيها المنطقة بالكثير من بؤر الاضطراب، في الوقت الذي تبرز وتتسع فيه التحديات الاقتصادية باتساع رقعة العالم، ولذا كان الخطاب الملكي واضحاً وقادرًا على التأكيد أن سفينة الوطن تسير حيث أهدافها في بحر العالم المائج.