د. محمد بن عويض الفايدي
تتعاظم الصراعات الإقليمية والدولية ويتزايد الحراك الداخلي ويموج العالم بالاضطراب وتزداد مخاطر ومهددات التنمية، ومع صعوبة التنبؤ تعمل الدول الكبرى على مد نفوذها وتثبيت نقاط وجودها، وتسعى الدول الإقليمية على تحسين مراكز قواها وزيادة فرص تفاوضها، وتخشى الدول الأخرى على مواردها ومكتسبات التنمية التي حققتها.
تظل العلاقة وثيقة بين التنمية، وبين النظام الأمني والدفاعي الذي تحققه التنمية وتتحقق به وتتبادل معه مقومات الاستقرار والتطور، باعتماد أحدهما على الآخر، ويأتي الإعلام بمعطياته وتقنياته وفضائه الواسع وقنوات اتصاله الجديدة التي تتخطى الحدود والحواجز وتصل إلى كافة الأقطار والشعوب بمستجدات ووسائل إعلامية مذهلة جعلت العالم أمام صناعة جديدة تتمثل في صناعة الإعلام المؤثرة فكريًا وسلوكيًا وعقديًا.
تتكامل الأدوار بين النظام الأمني والنظام الدفاعي والنظام الإعلامي، ذلك لأن التنمية ما هي إلا عملية حضارية شاملة تؤدي إلى إيجاد أوضاع جديدة ومتطورة، وتتطلب عملية البناء التنموي توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص، وبين المؤسسات العامة والمؤسسات الأهلية، وكذلك توسيع درجة المشاركة في إنجاز القرار التنموي ومراقبة تنفيذه ومساءلة منفذيه. ويلعب الإعلام دورًا محوريًا في بث الوعي، وفي عمليات الرقابة والتوجيه والتقييم والتقويم لمختلف برامج وخطط التنمية.
تهيمن وسائل الإعلام على الفضاء ويعمل البث الإذاعي والتلفزيوني والصحف والمجلات وشبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» ووسائل التواصل المجتمعي الواتس آب والفيس بوك والتوتر والانستقرام والسناب شات، وغيرها كسلاح ذي حدين في الخير ونشر العلم والمعرفة والخير والفضيلة، وبث الوعي المجتمعي، وفي الجريمة والتطرف والانحراف وهدم الأخلاق وإفساد المبادئ والقيم النبيلة.
يُشكل العلم والتقنية الخلفية المشتركة وراء التحولات الإعلامية متناهية السرعة التي ولدت مجالات إعلامية تنبثق عنها استخدامات متعددة الأغراض. وتتنافس الدول في الاستحواذ على مقومات الإعلام فالإعلام هو المعبر عن كيان وحضارة وخصائص وثقافة الأمة، وقدراتها الدفاعية والأمنية التي تعكس حجم ومستوى قوتها وثقلها الإقليمي والدولي.
تكشف الحروب والأزمات عن مستوى قدرات الدول العسكرية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية على تحقيق الانتصارات وإدارة الصراعات وقهر الخصوم وتحييد المناهضين وتجاوز التحديات وخفض الخسائر، وكذلك تعكس مدى فاعلية النظام الأمني والدفاعي على تحقيق مفهوم الأمن الوطني وحفظ منجزات التنمية.
تُشكل المعلومات أحد أهم مقومات الأمن الوطني بكل أبعاده، ويعمل الإعلام على تهيئة وتمرير المعلومات وإنتاجها وعرضها في قوالب تحليلية بحسب أهداف الرسالة الإعلامية والجمهور المستهدف والتأثير المقصود.
إستراتيجية الحروب الحديثة والتصدي للإرهاب والإجرام المنظم والكوارث يتطلب الجاهزية والاستعداد والتكامل بين أجهزة الدولة والشعب والقوات العسكرية بنظامها الدفاعي والأمني والتطوعي والمعلوماتي والإعلامي الذي عليه أن يكون على درجة عالية من الجاهزية والتهيؤ، وفي هذا الإطار يعد الإعلام الحربي وسيلة دفاعية وهجومية تعادل في مضمونها طلقات المدافع والبنادق والرشاشات، فتمضي الكلمة الواعية في الإعلام أكثر من مضي صواريخ الطائرات وقذائف الدبابات التي يبقى أثرها مكانه، في حين تؤثر الكلمة في كل أنحاء الأرض ويتعاظم تأثيرها في دول وأمم وشعوب شتى وتُكسب تعاطف وتحالف وتغيير مواقف ونقض معاهدات وتوسيع تكتلات.
الإعلام السعودي المقروء والمرئي والمسموع لم يزل الإعلام الحربي غير مستقر في إستراتيجياته وسياساته الإعلامية، لحداثة التجربة الإعلامية في مجال الحرب منذ حرب تحرير الكويت عام 1990م، وحرب الحوثيين السابقة في 2009م، وقلة المختصين في الإعلام الحربي، الذي له أدواته ووسائله وطرقه وسبل حضوره وتغطياته للأحداث والوقائع في ظل التحديات الميدانية أن تؤثر في احترافية وحيادية التغطية الإعلامية، وتغير طبيعة التغطية الإعلامية التقليدية للصراعات في ظل الإعلام المجتمعي الجديد الذي يبث الصور والمشاهد من قلب الحدث وبشكل أسرع لا يحتاج إلى مراجعة أو تدقيق.
تعد عملية عاصفة الحزم، وعملية إعادة الأمل في اليمن التجربة الإعلامية الأكثر نضجًا وممارسة وحضورًا في جبهات القتال مع القوات العسكرية، ومع الحضور للصحافة السعودية والمحطات الرسمية الإذاعية والتلفزيونية إلى جبهات القتال وفي المناطق الحدودية الجنوبية بدأت تتشكل ملامح الإعلام الحربي بالتعاون مع المعنيين في القوات العسكرية، إلا أن تجربة القناة السعودية الأولى، وقناة الإخبارية السعودية هي الأبرز، فتسعى القناة السعودية الأولى بجهود مديرها الدكتور محمد ريان باريان وطاقمها إلى ترسيخ السبق الإعلامي لهذه القناة التي كان لها السبق في البث الإعلامي المرئي على صعيد الإعلام العربي وفي أذهان المشاهدين داخل وخارج الوطن لترسم في الملامح الصورة الأكثر موثوقية في الأزمات. كما أن قناة الإخبارية السعودية تشارك بفاعلية وجسدت وجودها في ميدان الحرب بعد تعرض فريق القناة لإصابات مختلفة من قذائف معادية أثناء تغطية العمليات الحربية في جبهات القتال على الحد الجنوبي، واستقبالهم استقبالاً حافلاً في مطار الملك خالد الدولي من قبل مدير القناة الأستاذ جاسر عبدالله الجاسر الذي استقبل رئيس الفريق الإعلامي الأستاذ عثمان الغامدي وزملاءه الأبطال في تأكيد علني على حرص الوطن قيادة وشعبًا على سلامة الإعلاميين الذين أثبتوا أن أرواح الإعلاميين والعسكريين سواء في جبهات القتال.
يتفاوت قطاع الإعلام في اهتمامه بهموم ومخاوف الناس ويناقشها بأطروحات إعلامية متباينة في ظل صراعات يتجاوز فيها دور الإعلام مجرد نقل الأحداث إلى صناعاتها وتشكيل سرديات متنافسة تعكس تصورات وسناريوهات الأحداث بتحول جذري في المشهد الإعلامي يُعزز الاستخدام الفعال لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي تعدى تأثيره إلى المجال السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي، وأصبح الناس ينظرون إلى الواقع والأزمات والتحديات والمخاطر الحرجة من خلال وسائل الإعلام المحلية بدلاً من وسائل الإعلام الأجنبية التي كانت تأخذ الحيز الأكبر في مشاهدة ومتابعة المواطن العربي الذي يربط المشاهدات ورؤيته حولها بالسياق التاريخي والثقافي لمنطقة وقوع الحدث بشكل مباشر، الذي بدوره يؤسس لمساحة أوسع للتحليل والتصور، ويُتيح لمستخدمي وسائل الإعلام التأثير في مسار الأحداث، لكنه يثير تحديًا حول طبيعة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في الصراعات ومدى التزامها بمعايير المهنية والمواثيق الدولية، ويحمل الإعلام والإعلامي مسؤولية أكبر لابتكار أساليب ووسائل وتقنيات جديدة للتأثير والتغيير.
مع الإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي يُعد الجانب الإعلامي مرتكزًا من مرتكزاته فمن الأهمية بمكان الإعلان عن ميثاق شرف إعلامي شامل يقتدى به في ظل هذه التحديات الحرجة من خلال مؤتمر للإعلام تدعو إليه المملكة من خلال وزارة الثقافة والاعلام، وتتبناه منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والمكتب العربي للإعلام الأمني، لتعميق مفهوم المهنية الإيجابية للإعلام في تنمية رأي عام مستنير يعي المخاطر ويتجاوز التحديات، ويحقق مفهوم الأمن القومي بكل أبعاده.