زكية إبراهيم الحجي
ترى هل ثقافتنا تحمل مخاطر تأكل من أكتافنا.. وهل كل من نطق بعين العقلانية لتصحيح طريقة تفكير البعض يُطرد من بين صفوفهم لأنهم يرفضون التصحيح ويرون أن التشبث بطرق تفكيرهم.. هو جسر تواصل متين بينهم وبين غيرهم؟.. ثم ألا ترون معي أن أي بيئة طاردة للإبداع إن لم تكن قاتلة تظل بيئة قاصرة محدودة التطور بطيئة التنمية وقليلة الإنتاج؟.. ومع ذلك تبقى مجتمعاتنا تجيد السفسطة ولا تعرف كيف تُقرع الأبواب.
المبدعون في الآفاق العالية دائماً هم متألقون.. لماذا؟ الاجابة بمنتهى البساطة هي.. طريقنا يبدأ من النظرية إلى التطبيق على أرض الواقع، وغالباً مغير الواقع والوقائع هو مفكر يعمل بقاعدة الفكرة تسبق العمل ثم يُتبِع فكرة نظريته بالتطبيق لاستنهاض الواقع.. فماذا لو بقي حامل الفكر وحده هو من يعمل على أرض الواقع.. ألا يشتكي من الاغتراب.. أليس من متطلبات الفكرة التي تسبق العمل نشر الوعي في المجتمع لتتحول الفكرة إلى شعور جماعي متداول قناعة وسلوكاً؟.. هذا هو السؤال الجوهري للانتقال من النظرية إلى التطبيق ومن الخيال إلى الواقع ومن شعارات براقة نتفاخر بها في الميادين والصالات في الندوات وقاعات المؤتمرات ثم إذا أتينا إلى الواقع العملي وجدنا أن بين الأفكار والواقع فجوة عميقة وبوناً شاسعاً.
صحيح أن هناك تفاوتاً في سعة أفق العقل البشري، وتلك سمة، وسم الله بها العقول لتسير الحياة وفق منهج معين، لكن بعض العقول أشبه ما تكون بصناديق مقفلة، تحمل تراكمات عصرها يوم أن كانت صالحة له.. ولأن الإنسان هو نتاج زمنه فكراً وعلماً وتطبيقاً؛ لذا فشغلُ العقول بالأفكار المتجددة وطرحها مداولة ومناقشة مجتمعياً ثم تبني المتفق عليه لتنفيذه على أرض الواقع سيكون انتصاراً عظيماً لنا، وسيعيد الثقة لجيل شباب غرق حتى أذنيه انبهاراً بما ينتجه الغرب، غرب نجح بجدارة في جعلنا مجرد مجتمعات متواكلة ننتظر آخر وأحدث إنجازاتهم الاستهلاكية، لنبدأ مارثون سباق ونبارك للفائز الأول حَصْدَ أحدث منتج وصل، هم ينجزون ونحن نتلقف، هم يلتفتون إلى الميدان ونحن نلتهم غراسهم بغالي الأسعار، هم يتألقون إبداعاً ونحن نتألق ترفاً واستهلاكاً ومظاهر براقة، هم يمعنون البحث عن فرص الابتكار العلمي وغيره، ونحن نمعن في الجدليات والخلافات والاتهامات والتراشق بأبشع الألفاظ.
أعتقد أنه قد آن الأوان لنكون نحن.. نحن الأمة التي تغنّت في يوم من الأيام بمجدها وحضارتها، وتألقت بفكرها وغزارة علمها في مجالات عدة.. ونقل عنها ومنها المستشرقون فكانت نبراساً أضاء طريق الحضارة الغربية.. آن الأوان لنستعيد مكانتنا التي كانت ومازالت فخراً لنا، آن الأوان لنحوّل أفكارنا النيرة إلى وعي جماعي وننقلها من التنظير إلى التطبيق في الميدان.. فعمل وإنتاج وتصدير.. مسؤولية حضارية وثقافة ينبغي أن تسود.