سمر المقرن
عندما تغيب اشتراطات السلامة ووسائلها عن مكان مُخصّص للتداوي، فإننا بالتأكيد أمام كارثة يصعب وصفها.
في مستشفى جازان العام، حدث ما لم يكن في الحسبان، فالبرج الطبي حديث الإنشاء تعرّض فجر الاربعاء الماضي إلى حريق استهدف قسمي الحضانة والعناية المركزة في الدور الأول، قبل أن يمتد ليصل إلى الأدوار العلوية ويؤدي إلى وفاة 25 شخصاً، وإصابة 123 من فئات عمرية مختلفة بسبب استنشاق الدخان المتصاعد -وفق ما أعلنته وزارة الصحة-، وسط حالة من التدافع بين المنومين والمراجعين وذويهم الذين ظلّوا يبحثون عن النجدة والنجاة في ظلام دامس جاء نتيجة انقطاع التيار الكهربائي على إثر الحريق، في الوقت الذي فشل فيه المولّد الاحتياطي من القيام بالمهمة المطلوبة التي أوجد من أجلها.
ذلك المستشفى الذي تعددت سلبياته على مدى الأعوام الماضية، وأضحى مصدر خوف وقلق بدلاً من أن يكون مصدراً للراحة والأمان والاستشفاء، عاد بـ»طامة» جديدة متعددة الضحايا، أثبت من خلالها ما يعانيه من إهمال وقصور، وبرهن على ما جاء به المستند المتداول الذي حذرّت فيه المديرية العامة للدفاع المدني في منطقة جازان من استلامه من المقاول المنفّذ والبدء في تشغيله، نظراً لعدم توافر نحو 15 متطلباً تأتي بين اشتراطات السلامة اللازمة، والتي تضمن القدرة على التعامل مع مثل هذه الحالات عند وقوعها، والتمكّن من إخلاء المكان، لكن كيف السبيل إلى ذلك طالما أن أجهزة الإنذار لم تكن تعمل كما يجب، ومخارج الطوارئ تعانق السلاسل وكأنها قد وضعت للزينة وليس لكونها منفذا يتم اللجوء إليه في الحالات الخطرة التي تشابه هذه الحادثة المؤلمة.
إن هذا الإهمال البالغ الذي تسبّب بما حدث، يدفعنا جميعاً إلى المطالبة بوقفة تتسمّ بالصرامة والحزم لمحاسبة المتسببين الذين أزالوا عناصر الراحة والأمان والسلامة عن مكان وُضع لهذا الغرض، فكيف بمستشفى يفتقد لأبسط تلك المعايير ويُهمل وجودها في ظل آلاف المرضى والمراجعين الذين يقصدونه، فما الفائدة من وجود مخارج طوارئ مكبّلة بالسلاسل ولا يُستفاد منها عندما تدعو الحاجة إليها!، وما دور أجهزة الإنذار طالما أنها لا تعمل بالشكل الصحيح الذي يُشعر المتواجدين في المكان بحدوث خطر ما!.
تلك الحقائق التي أوردها شهود عيان نجوا من الحريق، وأثبتها مستند صادر عن الدفاع المدني، اعتبرها مدير الشؤون الصحيّة في منطقة جازان بأنها «غير دقيقة» عند ظهوره على قناة «العربية» للتعليق على الحادثة وتفاصيلها، مؤكداً أن المبنى ملتزم بجميع الاشتراطات اللازمة، وليس هناك أي مخالفات وقصور فيه، وبرغم ما قاله.. وقع هذا الكم من الضحايا، فماذا إذاً لو اعترف بوجود الإهمال والقصور؟.
وبالنظر إلى التغريدات التي أطلقها وزير الصحة الدكتور خالد الفالح عبر حسابه في «تويتر» والتي قال في إحداها:» القدر الأكبر من المساءلة حول حريق مستشفى جازان يقع على المسؤول الأول عن قطاع الصحة، لذا فالمساءلة تقع عليّ شخصياً قبل أي أحد»، فإنه يتضّح لدينا شيء من الشجاعة للمسؤول واعتراف بالتقصير والإهمال في منشأة تتبع لقطاع خدمي بالغ الأهمية، لكن تلك الشجاعة تتطلّب أن يتبعها خطوات فاعلة، ومحاسبة صارمة ومعلنة، حتى لا تكون تلك التغريدات مجرّد أقوال لا تتبعها أفعال في إطار ما يُطلق عليه «امتصاص الغضب»، فأرواح البشر غالية يا معالي الوزير.
اللهم ارحم الضحايا وتقبّلهم من الشهداء وألهم ذويهم الصبر والسلوان، واكتب الشفاء العاجل للمصابين.