إبراهيم عبدالله العمار
اليوم نختم هذه السلسلة بهذه الحلقة، ولمن لم يقرأ الحلقات السابقة فإن سلسلة «ملوك الماضي يحسدوننا» عن النعم التي نعيش فيها اليوم التي تجعل الفرد العادي أعظم نعيماً من سلاطين وملوك الماضي.
تكلمنا عن أشياء مثل المواصلات والصحة وما إلى ذلك، واليوم حلقة مختلفة بعض الشيء، وهي عن الأشياء الصغيرة التي لا يفكر فيها الناس كثيراً إذا قارنوا أنفسهم بأهل الماضي.
ما هي الأشياء الصغيرة؟ جفاف الجلد مثلاً. شيء صغير، لكنه يضايق إذا استمر وزاد على حده وربما تنزف التشققات.
اليوم لدينا المرطبات التي تغذي الجلد بما يحتاج إليه، فالقليل من المرطب في راحة اليد يجعل جفاف أماكن مختلفة في الجسم تبدأ فوراً في الاختفاء.
الحشرات التي كانت واقعاً لا مفر منه، ظهرت المبيدات اليوم والصاعقات الكهربائية التي أراحتنا كثيراً من مضايقات البعوض والذباب والصراصير.
العرق لم يكن يُنظَر إليه أنه مشكلة كبيرة في السابق، بل كان لا مفر من أن تكون رائحة الجسد ظاهرة إلى حدٍّ معين، لكن اليوم لدينا أشكال وألوان من الصابون وغسول الجسم وماء الاستحمام المتوافر طوال اليوم.
وهذا يقودنا إلى شيء صغير آخر نستمتع به بلا تفكير: سهولة الاستحمام. لا أسهل على المرء اليوم من أن يذهب للحمام ويغتسل وينفض عن جسده أوساخ يومه، لكن في السابق لم يكن هذا سهلاً أبداً، فلم يكن هناك أنابيب تجلب الماء البارد والحار على مدار الساعة، بل كان على المرء الاغتسال في مكان معين مثل حوض، ولم يكن هناك تصريف للماء فكانت الأدران تتجمع عند القدمين.
وفي نفس النقطة هناك الخلاء، فإن قضاء الحاجة شيء عادي بل أقل من عادي لا يأبه به الناس اليوم، لكن سابقاً كان هذا فيه بعض المشقة اليومية، فمما عرفناه عن الكثير من الأسبقين ما أتى أن الناس كانوا يضطرون أن يقضوا حاجاتهم في البراري، وكانت النساء يصعب عليهن الخروج في النهار وكن يخرجن ليلاً فقط لأنه أستر لهن.
البيوت اليوم مصممة بحيث تكون محكمة الإغلاق لدرجة كبيرة، لكن سابقاً كان يصعب إحكام إغلاق كل شيء، وكان على المرء أن يكون جاهزاً أن يجد عقارب أو أفاعي أو حشرات أخرى ضارة إذا عاد إلى بيته.
لا تستهن بهذه الأشياء. لعلها تبدو صغيرة لكن مجموعها يصير كبيراً، ولله الحمد أن أنعم علينا بالعلم والمعرفة التي أزالت هذه المضايقات والمخاطر التي كان الأسبقون لا يجدون مفراً من التعايش والصبر عليها، ونصل أخيراً إلى ختام هذه السلسلة، ولله الحمد أولاً وأخيراً.