عبدالعزيز القاضي
(لا يا زمان الشلخ والملخ والميخ
مرادفات الكذب للي جهلها)
- «إبراهيم عبدالله العبداللطيف»
أما إبراهيم العبداللطيف (التميمي) فشاعر متمكن, وله حضور في ساحة الإعلام المتزن المسؤول, ويلقبه الشاعر والإعلامي المعروف الحميدي الحربي بـ(وريث ابن صقيه) في الشعر, لأنه تميمي وابن صقيه -رحمه الله- (ت1436هـ) من زعماء بني تميم, وأحد أشهر شعراء النبط.
وإبراهيم العبداللطيف من الشعراء الشباب الملتزمين بأصالة الشعر, المنافحين عن حماه, وشعره سهل محكم النسج, ينثال بكل سلاسة, بلا نبوّ ولا تباين, يقول:
وسام المعزه ما يناله قصير اشبار
يناله رفيعٍ هامته ما ينزلها
أما بيت السياحة فأبرز ما فيه ثلاثية (الشلخ والملخ والميخ), وأجمل ما فيه تعريف هذه الثلاثية في الشطر الثاني, وهذا أسلوب جميل مثير في تبسيط معاني الشعر لا أذكر أنه مر بي من قبل, والإبداع لا يكون في الألفاظ وحدها ولا في المعاني ولا في الأسلوب ولا في الصور ولا في الإيحاء فقط, بل هو أعم وأشمل ولا يحده حد ولا تصنيف, كلفتة التعريف هذه.
(الشلخ والملخ والميخ) أما الشلخ فمعروف رائج بهذا المعنى وخصوصاً في الشرقية والخليج, لكن (الملخ والميخ) بمعنى الكذب لا أعرفهما ومثلي كثيرون, ولعل هذا ما دعا الشاعر إلى التوضيح في الشطر الثاني, فهل (الملخ) إتباع للشلخ كأن نقول: هذا الكلام شلخ ملخ, بمعنى هكّ بهك, أي كذب؟ والإتباع من ظواهر اللغة كقولهم (تفرقوا شذر مذر) و(هو عفريت نفريت).. إلخ, أما (الميخ) فلعلها لغة خاصة في سدير, أو لغة خاصة بالشاعر, والشعراء يخترعون الألفاظ ويفترعون المفردات.
و(الشلخ والملخ والميخ) مترادفات جمع بينها الجناس, وهذا محسّن بديعي جديد لم يخطر فيما أظن في بال شعراء البديعيات ولا علماء البلاغة الذي تنافسوا فيما يُسمى بعصر البديعيات على اكتشاف المحسنات المتناثرة في النصوص الشعرية والنثرية، بل وعلى اختراعها وصياغة الأمثلة عليها أيضاً.. وإذا كان اجتماع أكثر من محسن في كلمة أو عبارة وارداً في اللغة فإن اجتماع (الجناس) و(الترادف) فيهما نادر, بل شبه مستحيل لغوياً, ومستحيل مؤكد منطقياً ورياضياً, فالجناس: اتفاق في اللفظ واختلاف في المعنى, والترادف: عكسه, اتفاق في المعنى واختلاف في اللفظ. وهذا المحسن الجديد في (الشلخ والملخ والميخ) جمع الاتفاق والاختلاف معا أي جمع المتناقضين, فهل يصلح أن نسميه (جناس الترادف)؟.
لا يا زمان الشلخ والملخ والميخ
مردافات الكذب للي جهلها
والشاعر يتعجب هنا من حال هذا الزمان فما الذي أثار لديه هذا التعجب المرير؟.. الجواب هنا:
كلٍ غدا شاعر وكلٍ غدا شيخ
معاد يعرف حزنها من سهلها
وهذا المعنى تجديد للمعنى العتيد المتسلسل عبر التاريخ الذي بدأه الشاعر القديم بقوله:
استنعج السرحان واستفرس الديك
ركب الرديف وراعي الكور حوّل
مرورا بقول ابن شريم:
دنياك هذي تفجع الغافليني
ترفع ذنب وتطمّن المتن والراس
وقول إبراهيم السيف:
وقت به الحصني بدا يفرس الذيب
يمشع مداسم هبرته في ضروسه
.... إلخ.
فبعد تعدد وسائل الإعلام وظهور الإعلام الجديد الذي أتاح للناس التواصل والوصول المباشر (كل غدا شاعر وكل غدا شيخ) والله المستعان.