الجوهرة العنزي
أمور الخلق وتفاصيلها دقيقها وجليلها علمها عند خالقها لا نستطيع تغيير شيء منها مهما حاولنا، فالله خلق وهو أعلم بخلقه سبحانه.
نخالط البشر ونتعايش معهم في الحياة - بجميع أضدادها- من أقارب وأحباب وأصحاب لا أحد منّا يعلم ماذا يخبئ له القدر.
لكننا نسير على خطى الواقع وطرقات المكتوب، لا نستطيع أن نُغير أو نتجاوز فصلاً من فصوله.. كتبها وقضاها علينا رب البشر.
لكن برحليهم يحصل في النفس وقعٌ ليس بالأمر السهل الذي لا يمكن أن نتغافل عنه، نفتقدهم إما برحيل من الحياة أو في الحياة وأيًا كان الفقد فهو قاسٍ على القلب.
بكى صلى الله عليه وسلم حين افتقد ابنه فقال: (إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون) فالحزن والدمع لا يعارض الرضى بالقضاء والقدر، لكنها مشاعر يفيض بها القلب وتذرفها العين شوقًا وفقدًا..
الراحلون نبكيهم دمعًا.. ونتذكرهم ألمًا.. ونفتقدهم شوقًا.. ونرجوهم بين طيات الأيام..
يومًا ما افتقدت غالية احتضنها القبر تمتم لها القلب وجاد القلم ببعض الكلمات فقلت:
كنتِ الحضور اللي ملاني حياة.. وأصبحتِ الغياب اللي تركني حكاية
هي مشاعر تسيطر علينا تملأ القلب والروح ولا نملك إلا أن نبكيها دمعًا على ضفاف الورق
نكتبهم فقدًا ونبكيهم شوقًا.. ضعفًا وعجزًا عن التغيير وعودة حياة من غاب عن سمائنا وهم في الذاكرة يتنعمون كلما دق ناقوسها.
خُلقنا من ضعف يوجعنا الأذى ويجرحنا صغير الشوك ويكسرنا الرحيل ولا يجبرنا إلا لطف الله.
الحياة لا تقف على أحد قانونها ونظامها لا يتوقف بفقد أو غياب، فمن رضي فله الرضا ومن سَخِطَ فله السُخط، لكن البعض يعتقد أن الحياة انتهت وتوقفت عند مصيبته فهو لا يرى إلا تحت قدميه.
لكن لو أمعن النظر وجال ببصرة يمنة ويسرة لعلِم بحال الشعوب وما تعاني من مصائب لا تقف على الفقد فقط، بل إن بعضهم يبتلى في دينه وعرضه نسأل اللهم لهم النصر والثبات ونحمد الله على ما نحن فيه.
وكما قيل الرياح لا تحرك الجبال.. ولكنها تستطيع تحريك الرمال، من هنا نحن من يملك التغيير بإنفسنا وضبط أحزاننا ومشاعرنا ونحن من يقود هذه النفس ويجعلها تسير في المسار الصحيح حينها لن تسود الدنيا أمامه ولن يحزن كل هذا الحزن.
كلمات بسيطة خالجت النفس وجرى بها القلم لما رأيت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الأحزان واللوعات والقهر لفقد الأحباب ورحليهم، وقد ربط السعادة والهناء في حياته بهم.
نعم لا ننكر مكانتهم ومحبتهم لكن السعادة ليست مرتبطة بوجودهم، العاقل هو من يعرف سر الحياة فلا يعلق حياته بأحد الخلق، فهناك سابق وآخر لاحق وكلنا راحلون.
الذكي هو من تعلق قلبه به سبحانه بقربه وبمعيته فقط تكمن السعادة وتبتهج الروح وتسمو النفس وينشرح الصدر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (ماذا يفعل أعدائي بي فجنتي وبستاني في صدري وحبسي خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة) هكذا حين تتعلق الروح بخالقها.
ليكن حبنا في الله ولله وإن تعلقنا فبالله حينها لن يؤلمنا غياب أو تكسرنا الأشواق، وإن فقدناهم وحَزُنَ القلب وفاضت العين فلنتذكر نعيم الله أقرب ونرجو رحمته وأن يغمرنا عفوه وغفرانه ونجتمع بهم في جنانه، وندعو لمن تحت التراب بالجنة ولمن فوقه بالتوفيق والسعادة، هنا ستطمئن الروح ويهدأ القلب.
فالحياة جمعت الأضداد: موت وحياة، فرح وحزن، سعادة وشقاء، إلا الرحيل فلا بقاء فيها فهو سبحانه الباقي والكل للعدم.. الكل سينفنى في اليوم الموعود، وكل من في السموات والأرض إلا وقد أتى الرحمن عبدًا، والكل سيأتيه فردًا، وسيحشر المتقين إلى الرحمن وفدا، وسينتهون ولن يكن لأحد منهم ركزا.