د. جاسر الحربش
هل تبادل الاتهامات بين قطبي رأي إعلامي لهما شعبية معتبرة في الصحافة أو على الفضائيات تعود بفائدة ما على القارئ والمشاهد؟. سوف أبسط السؤال، هل لكاتب الرأي الحق في إدخال متابعيه ومريديه إلى ساحة ملاسنة شخصية بينه وبين زميل آخر؟، وهل له الحق في احتكار حلقة كاملة للكتابة أو الكلام عن نفسه، سواء للدفاع أو الهجوم ؟. إن كان الجواب بنعم فهذه في نظري ظاهرة غير صحية وسامة ولا توجد إلا في إعلام دول العالم المتخلف.
تبادل الاتهامات والدفع المتبادل بالبراءة والاستخدام المبطن للتجريح التهكمي واستعداء كل طرف لحزبه على الطرف الآخر ليس أقل من قيام شخصين برش بخاخين من الروائح المزعجة في صالة مليئة بالضيوف، الضيوف هنا هم القراء والمشاهدون. حتماً سوف يحدث بالصالة اشتباك وانفجارات انفعالية. وهذا ما يحدث أيضاً على شبكات التواصل بعد كل حالة اشتباك إعلامي.
المسألة لا تدخل في باب طرح الرأي كمحاولة للتثقيف أو التنوير أو النقد الهادف، بل هي محاولة للدخول من الباب الضيق الحرج للأخذ بالثأر والدفاع عن الكرامة الشخصية، وهذه أمور لا تهم القارئ ولا المشاهد. المفترض ألا يكون في اهتماماته خلافات الشخصيتين الكريمتين، وإنما محتوى المادة التي يقدمها كل واحد منهما في ساحته الإعلامية.
المفترض أيضاً أن القارئ والمتابع للحوارات اليوم أصبح حسب المرصود من التعليقات أعلى ثقافة وأكثر قدرة على التمييز بين الجيد والغث من أكثر الكتاب والمتحاورين، وأن كل ما يحتاجه هو ذلك المجهود الإضافي لترتيب الأفكار والأولويات التي يفترض بصاحب الرأي أن يقدمها له. بالطبع تبقى شريحة انفعالية من المتابعين تستهويهم الصراعات المفتوحة تماماً مثل المفتونين بمباريات المصارعة الحرة، وهؤلاء هم الذين يستهدفهم الكاتب أو المحاور حينما يتبادل اللكمات اللفظية مع آخر.
السؤال هو: هل تستحق هذه الشريحة الانفعالية أن تخاطب على وسيلة إعلامية مفتوحة بطريقة برنامج الرأي والرأي المعاكس على فضائية الجزيرة، والتي لا تقدم سوى مهاترات تساهم سلبياً وباستمرار في مفاهيم الحوار وتبادل الرأي. ولأن الحديث يدخل في إطار تبادل الآراء، هناك ثلاثة تطبيقات مجربة. الأولى هي طريقة النقاش على الفضائيات والصحف البريطانية حيث يسود الهدوء والاحترام المتبادل ويوضع المحتوى الحواري أمام القارئ والمشاهد ليحكم بنفسه ثم ينفض السامر. الطريقة الثانية هي الأمريكية الأكثر صخباً والأقصر نفساً ولكنها لا تخرج عن متطلبات اللياقة كحق مستحق لاحترام المشاهد والقارئ، والمثال على ذلك محطة سي إن إن أو صحيفة الواشنطن بوست. الطريقة الثالثة هي طريقة محطة الجزيرة القطرية والصحافة العربية، التحفز الدفاعي الاتهامي منذ بداية الحوار لتنتهي الحفلة بتعميق الخلافات بين المتحاورين ومحازبيهم من المشاهدين والقراء وبدون أي مساهمة في توضيح الرأي، وربما تنتهي أيضاً بالركل والضرب بالكراسي.
لابد من القول بأن المماحكات الشخصية على الوسائل المفتوحة في الإعلام العربي والتي ليست في جوهرها سوى التركيز على شخص المتحدث أو الكاتب، ليست أكثر من اغتصاب للمساحة الإعلامية لأهداف دعائية شخصية واستعداء على الطرف الآخر، وخصوصاً عندما يأتي المقال بكامله مخصصاً لشخصية الكاتب الكريمة. في كل مرة أقرأ حواراً من هذا النوع أكاد أشم رائحة فرك أيادٍ وحبور عند رؤساء التحرير في صحافتنا المحلية عندما يجيزون استعمال الساحة، لأنهم يتوقعون زيادة في المبيعات والاستفادة من مبدأ يا كليب شب النار يا كليب شبه، أما الحطب فصفحات الجريدة، ويتغاضون تجارياً عن كون القارئ يستحق احتراماً وتحكيماً على الطريقة البريطانية.
في الختام أعتقد أنني رفعت الأذان في مالطا هذه المرة.