محمد أبا الخيل
في يوم الأربعاء (2-12-1436هـ) كتبت مقالاً في هذه الزاوية بعنوان «المباني العامة.. كيف الحال؟» تحدثت فيها عن الخلل في صلاحية بعض المباني العامة للاستخدام والارتياد العام، وكتب غيري كثير في هذا الخصوص قبلي وبعدي، مما يقود للظن بأن مسؤولين في الدولة من ذوي الاختصاص والصلاحية على علم واطلاع بوجود خلل يعرض سلامة الناس للخطر في كثير من المباني العامة التي اعتراها حوادث. ومنذ أيام فُجع الناس بحريق مستشفى جازان العام، وكانت الفاجعة مؤلمة أكثر بعد أن علمنا أنه كان بالإمكان تفادي ذلك لو اتبعت تعليمات وملاحظات الدفاع المدني، وأصلح خلل سلامة المبنى الذي لم يكن يستدعي تكاليف مالية باهظة.
في معظم البلدان هناك جهات رسمية تجيز صلاحية المباني للاستخدام والارتياد العام بعضها تجعل ذلك من اختصاص بلدية المدينة والبعض تخصص جهازاً مستقلاً وأخرى تجعلها من ضمن تخصصات الدفاع المدني وإدارات الإطفاء، وتمنع هذه الجهات الرسمية بقوة القانون استخدام أي مبنى لا تنطبق فيه معايير الأمن والسلامة، بل إن هذه الجهات تقوم بتفتيش دوري وتفرض غرامات كبيرة للمخالفات ومن لا يستجيب لملاحظتها يخلى مبناه ويقفل بقوة القانون حتى تتم معالجة الخلل.
في بلادنا يناط هذا الأمر بالدفاع المدني فهي الجهة المسؤولة عن إجازة صلاحية المباني العامة أو تلك التي يرتادها الناس، ولكن الدفاع المدني لا يملك صلاحية أكثر من إرسال خطابات تنبيهية للجهات المسؤولة عن تلك المباني، وقد يكون ذلك من باب رفع العتب، بل إن متطلبات الدفاع المدني هي في الحد الأدنى المقبول للسلامة، حيث التركيز على درء الحرائق فقط، أما العيوب الهيكلية والتوظيفية للمباني أو تخزين المواد الضارة واستخدامها فليس لدى الدفاع المدني الموارد البشرية المتخصصة ولا التجهيزات ولا التنظيم والإجراءات اللازمة لذلك، بل إن بعض إدارات الدفاع المدني تمنح شهادات لصلاحية بعض المباني التجارية دون الوقوف على ذلك بحجة قلة المفتشين المؤهلين لديها.
هذا المقال ليس لوماً أو اتهاماً بتقصير الدفاع المدني بقدر ما هو دعوة لتمكين الدفاع المدني بالإمكانات والصلاحيات، فالواجب أن يكون هناك فرع مستقل للدفاع المدني ليس لديه مهمة سوى ترخيص صلاحية المباني بصورة عامة وذلك بوضع معايير السلامة التي يجب أن تشمل الصلاحية الهيكلية والمعمارية والتوظيفية للمبنى وتشمل إجازة المواد المستخدمة في البناء والتجهيزات الكهربائية والميكانيكية، وأن يدعم هذا الفرع وأجهزته بالموارد البشرية ذات الكفاءة المهنية المناسبة والتجهيزات الفنية والمختبرات التي تجعله فاعلاً في مهمته، كما يجب أن يدعم بصلاحية نظامية تمنحه حق فرض غرامات الإخلال بتلك المعايير وحق الإخلاء القسري لكل مبنى لا تتحقق به أدنى شروط السلامة العامة.
كثير من المسؤولين عن المباني العامة أو تلك الخاصة التي يرتادها الناس, يقصر اهتمامهم بإجراءات ومعايير السلامة العامة بحجة ضعف الصلاحيات المالية أو عدم وجود مخصصات للصيانة والإصلاح كافية أو وجود توجيهات شفوية من مسؤول أعلى بغض النظر لسبب من الأسباب، أو أن عقود الاستئجار لتلك المباني لا تشمل الصيانة إلا في حدود نسبة ضئيلة من الإيجار, أو أن المسؤول مهمل بسبب ثقافته وغياب مفهوم السلامة العامة لديه، كل هذه الأسباب ليست مقبولة من أي مسؤول مهما كانت وظيفته، لذا يجب أن يشمل في النظام أن أي مسؤول يثبت إهماله أو تغاضيه لأي سبب كان عن خلل في أي مبنى عام تسبب في ضرر أو إصابة أو حريق أو كارثة مهما كانت، أن يحاكم ويغرم غرامة شخصية أو يسجن، ما لم يثبت أنه إبراء ذمته بالإبلاغ عن ذلك الخلل لم لديه الصلاحية المالية في إجازة إصلاح الخلل.
المعروف كل المباني الحكومية تشغل وتصان من قبل شركات صيانة وتشغيل بعقود خدمة وتشمل بعض تلك العقود عمليات الصيانة، ولكن تعريف الصيانة في تلك العقود محدود بإصلاح الأعطال وليس الصيانة الوقائية، بل إن معظم عقود الصيانة لا تشمل قطع الغيار أو حق استبدال التالف، لذا يجب أن يعاد صياغة تلك العقود لتستجيب لمتطلبات السلامة العامة بصورة لازمة.