خالد بن حمد المالك
أُعلنت أمس الأول ميزانية الدولة للعام المالي الجديد 1437/ 1438 (2016) في ظروف استثنائية، إثر انخفاض الواردات لأسباب يعلمها المواطنون، وتوقعوا ما أُعلِنَ عنه؛ فلم يبالغوا بالتوقعات المسبقة، ولم يشعروا بأنها جاءت بأقل مما اعتبروه واقعاً. فمنذ أن انخفضت أسعار النفط - وهو المصدر الأساس في واردات الدولة - فمن الطبيعي أن يكون الإنفاق والمصروفات ليس بمثل ما كان الوضع عليه عندما كانت إيراداتنا من البترول تزيد على الحاجة، إلا من خلال خطوات مدروسة، أشار إليها خادم الحرمين الشريفين في كلمته، كما أشار بيان وزارة المالية والوزراء المعنيون بما استُجِدَّ حولها في هذه الميزانية.
***
لقد تم في السنوات الماضية بناء احتياطيات كبيرة حين كانت أسعار البترول تصل إلى مائة دولار للبرميل الواحد؛ وهو ما ساعد الدولة على مواجهة متطلبات المرحلة خلال ميزانية العام الماضي (2015)، بالسحب من الاحتياطي لصالح ميزانية العام الماضي، مع شيء من الترشيد في المصروفات. بينما ما أُعلِنَ عنه في الميزانية الجديدة من قرارات، ومن تجديد لأول مرة في تبويب الميزانية، ضمن الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية التي أشار إليها بيان وزارة المالية، سيجعلها أكثر تلبية لمتطلبات الشفافية والتحليل السليم؛ حيث صُنفت بنود الميزانية العامة بطريقة تسمح بتطبيق أفضل القواعد المحاسبية.
***
وقد قُدرت الواردات العامة بخمسمائة وثلاثة عشر ملياراً وثمانمائة مليون ريال، فيما حُددت المصروفات بمبلغ ثمانمائة وأربعين مليار ريال؛ أي أن العجز في الميزانية سيبلغ وفقاً لهذين الرقمين نحو ثلاثمائة وستة وعشرين ملياراً ومائتي مليون ريال، وهو عجز مقبول، في ظل تقلبات أسعار النفط وتراجعها من جهة، واستمرار الدولة في الإنفاق بسخاء على المشروعات من جهة أخرى، خاصة أن تمويل العجز سيتم وفق خطة تراعي أفضل الخيارات المتاحة للتمويل، وبما لا يؤثر سلباً على السيولة لدى البنوك كما أشار بيان المالية إلى ذلك.
***
وحسناً أن مجلس الوزراء أقر تأسيس مخصص لدعم الميزانية بمبلغ مائة وثلاثة وثمانية مليارات ريال لمواجهة النقص المحتمل في الإيرادات؛ فمن شأن ذلك أن تواجه الدولة بهذا المخصص انخفاض الإيرادات بشيء من المرونة في الإنفاق على المشاريع القائمة وتلك المستقبلية، ضمن الضوابط التي تحافظ معها على ما تم إقراره في الميزانية، أي الالتزام بمتطلبات الإنفاق وفق الآليات والإجراءات التي نصت عليها المراسيم الملكية؛ لضمان بقاء العجز وفق الرقم الذي أُعلِنَ عنه، إن لم تتمكن الدولة من تخفيضه بشيء من الترشيد في المصروفات، وزيادة في الإيرادات من غير المصدر الرئيس، وهو البترول.
***
ربما كان انخفاض أسعار البترول، وظهور العجز في إيرادات الدولة، مؤشراً إيجابياً في التعامل مع الإيرادات والمصروفات بشيء من الشفافية؛ فتكون المشروعات ذات الأهمية وبالأسعار المناسبة لها أولوية الاعتماد، ويكون تنويع الدخل ضمن الحسابات المهمة لدى صانع القرار في تحسين بيئة إيرادات الدولة، ويتم في مقابل ذلك التقليل من الهدر المالي في الصرف باستخدام التقنية في تقديم الخدمات، وتوظيفها في تطوير وتفعيل آليات الرقابة، وهي أحد مؤشرات الإصلاحات التي أكدها بيان وزارة المالية، الذي جاء هذا العام واضحاً وصريحاً وشفافاً، وملبياً لما كان هاجس كل مواطن مع صدور الميزانية من عام لآخر.
***
هناك خطوات كثيرة ومهمة، سوف تصاحب هذه الميزانية، منها تحديث نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، وتحسين منهج وآليات إدارة أصول الدولة، والالتزام بمعايير الشفافية والرقابة الحكومية، وطرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة، وتذليل العقبات التشريعية والتنظيمية والبيروقراطية أمام القطاع الخاص، وتعزيز بيئة الاستثمار في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والبلدية والمياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق وغيرها، وإعادة تسعير المياه والكهرباء ومشتقات البترول، ومثلها الرسوم والغرامات، واستكمال الترتيبات لتطبيق ضريبة القيمة المضافة. أي أننا أمام موارد أخرى، سوف تساعد الدولة في الاستمرار في تنفيذ برامج التنمية في البلاد.
***
وهناك الكثير أيضاً مما يمكن أن يُقال عن الميزانية؛ إذ لا ينبغي أن يتوقف المواطن عند انخفاض الواردات فقط، وظهور العجز فيها، متجاهلاً أن ميزانية هذا العام كبيرة، وتحمل الكثير من الخطوات المهمة في المضي لخدمة الوطن والمواطن، وأنها - لأول مرة - يصاحبها قرارات استراتيجية، تضمن حسن الأداء في أوجه الصرف، والشفافية في ذلك، وتجنب الهدر المالي. ومثلما قال الملك سلمان بأنه لن يقبل أي تهاون في خدمة المواطن، وأن المقصرين سيكونون عرضة للمحاسبة؛ فالميزانية بداية عمل لإصلاحات هيكلية شاملة وكبيرة لخدمة المواطن.