د. عبدالرحمن الشلاش
صور ومقاطع وصلتني بداية هذا الأسبوع ومع انطلاقة اختبارات الفصل الدراسي الأول لهذا العام 1436-1437هـ. هذه الصور والمقاطع توضح كيف حولت المدارس بيئاتها إلى بيئات جاذبة بتقديم كل التسهيلات للطلاب والطالبات كي يؤدوا اختباراتهم في أجواء مريحة ومحفزة.
تنافست مدارس البنين والبنات على تقديم المشروبات الساخنة من شاي وقهوة إضافة للعصائر والمياه، والمأكولات الخفيفة مثل الفطائر والحلوى والسندوتشات. اللافت حقيقة تسابق المعلمين على خدمة الطلاب وتقديم الأكل والشرب لهم بنفوس راضية، وهي تعبر من خلال الصور عن معاملات أبوية حانية، وأمومة بعواطف جيّاشة تستشعر في مجملها حاجة الأبناء والبنات للمساعدة في ظروف نفسية تستدعي وقوف الجميع ليس لأداء وظيفة روتينية يومية معتادة، وإنما مهام إنسانية تستشعر حاجة الطلاب والطالبات للوقوف بجانبهم.
ما تقدّمه مدارسنا خلال فترة الاختبارات عمل يستحق الثناء والتقدير خاصة إذا ما علمنا أن جزءاً من هذه الأعمال تطوعية تعبر عن استشعار المعلمين والمعلمات لأدوارهم الإنسانية بالوقوف مع طلابهم وطالباتهم وكأنهم أبناؤهم المقربون. تحويل أيام الاختبارات إلى فترة متعة واستجمام من عناء فصل دراسي طويل عملية رائعة، وفي نفس الوقت ليست بالسهلة واليسيرة، فنحن نعرف وخصوصاً أننا عايشنا أيام الاختبارات طلاباً ثم معلمين ثم أساتذة في الجامعات ما يمر به الطلاب من ضغوط نفسية تتمثّل في الخوف والقلق والسهر ولحظات الترقب الطويلة خشية الرسوب أو الحصول على درجات قليلة جداً، ثم نعلم وندرك جيداً طبيعة الأساليب التقليدية التي كان المعلمون يمارسونها أثناء الاختبارات بالتهديد والوعيد، وتحويل القاعات إلى ساحات رعب يقرع فيها الطلاب ويخضعون لعمليات تفتيش ونهر قد يصل في أوقات للضرب. ناهيك عن الأجواء العامة داخل المدارس أثناء هذه الفترة العصيبة بين طلاب يشتكون من المرض أو العطش أو الجوع ولا أحد يستجيب لهم! وقد يجابه الطلاب بألوان القسوة والتعنيف وهي أساليب أدت في أوقات مضت إلى نفور طلاب وطالبات المدارس وتركهم لمقاعد الدراسة كارهين لها وهم يحملون في نفوسهم ذكريات أليمة وموجعة إلا من مواقف إيجابية قليلة جداً لمن كانوا يشفقون على طلابهم بدوافع إنسانية محضة.
كشفت الصور والمقاطع الأخيرة عن أعمال جليلة حين تشاهد المعلم يقدّم القهوة والشاي بنفسه لطلابه وبكل تواضع، أو يستجيب لرغبة طالب بالحصول على قلم أو قطرات من الماء فيهب مسرعاً لإحضار طلبه وتقديمه له بنفس راضية. هذه مدارس في الرياض ومدرسة ثانوية في منطقة القصيم وضعت على طاولة كل طالب صحناً يحوي العصير والحلوى والفطائر والماء في بادرة مميزة للتخفيف عن الطلاب.
هذه مؤشرات لبداية عصر تعليمي يتطور فيه الفكر بتحول المعلمين والمعلمات إلى آباء وأمهات حقيقيين بتعاملهم الإنساني الراقي، وبداية لمرحلة جديدة مختلفة لتحويل المدرسة لبيئة جاذبة يحبها الطلاب ويتمنون البقاء بها أطول فترة ممكنة، ليس بالأكل والشرب والإمكانات المادية فقط وإنما بقرب المعلمين والمعلمات من طلابهم وطالباتهم ومعاملتهم بالرفق ومنحهم الحب ليستشعروا أن هذه التعاملات نابعة من حرصهم على مصالحهم، وأن المدارس هي أفضل المحاضن لتوجيه وتعليم الطلاب. بيئة صالحة وجاذبة ليس في أيام الاختبارات فقط وإنما طيلة أيام العام الدراسي.