د. فوزية البكر
أعان الله أي وزير جديد يأتي على حمل ثقيل مثل وزارتنا الحالية: وزارة التربية، لكن لندع الأمور تأخذ مسارها تدريجيا، فلعل الله أن يكتب لنا مخرجا برجل ذي علم وخبرة طويلة في ميدان التربية والتعليم مثل معالي الوزير الجديد دكتور أحمد العيسى.
ويقصد هنا بالشركات المجتمعية: ما تستطيع مؤسسات المجتمع الأخرى مثل الأسرة، وجمعيات التطوع والشركات والبنوك والموسرون من الأثرياء أن يقدموه للوزارة حتى تتمكن من متابعة التزاماتها الكبيرة فأعداد من يتلقون خدمات الوزارة بالملايين، والعاملون فيها بالملايين وبذا وحتى يتمكن رجل واحد ولو وجد خلفه جيش من القادة الأفذاذ من إدارة، كل ذلك فلا بد أن يكون وراءه أيضا مؤسسات مجتمعية داعمة ومساهمة بشريا وماليا لدعم تحقيق أهداف الوزارة الكبيرة، وهنا يتجلى مفهوم المسئولية الاجتماعية بأقوى صورها حين تستطيع هذه الشركات تحقيق أهداف كبيرة وتساعد على حل معضلات توقف عندها المجتمع لأسباب عدة من ضمنها قلة التمويل وربما ضعف بعض جوانب التطبيق الحكومي الخ من الصعوبات التي نعرفها جميعا ودعونا نتناول بعض هذه الصعوبات بالشرح لإيماني العميق بأن لدينا اليوم فرصة ثمينة لتفعيل هذه الأفكار في ظل الظروف الاقتصادية والسكانية التي نعيشها، ومنها علي سبيل المثال:
بعثات الطلاب الدارسين بالخارج:
يوجد الآلاف من الطلبة العالقين في بلدان العالم الشاسعة: في أمريكا وأستراليا وكندا وغيرها وهم يتمنون لو تتمكن أي جهة من تقديم المساعدة لهم، وهنا يحضرنا المثل المشهور في لبنان السيد رفيق الحريري -رحمه الله- الذي ساعد بمخصصاته المالية الكبيرة التي ما زالت جارية حتى بعد غيابه على تخريج آلاف الطلبة اللبنانيين، والأمر نفسه مع مؤسسة بل جيت ومؤسسة روك فولر الأمريكيتين وكلها مؤسسات عائلية ثرية كان أحد أهم أهدافها خدمة التعليم والعلم فقدمت في ذلك ما استطاعته وما زالت.
إذن فكرة مساهمة المؤسسات الخاصة والربحية في تقديم نصيبها من الخدمات الاجتماعية نظام عالمي معروف وما علينا إلا أن ننظم هذا العمل بشكل مؤسسي يخرجه من نطاق الفردية أو الهبات المؤقتة إلى نظام مؤسسي يستمر ما استمرت المؤسسة ويرفع العبء عن كاهل الدولة في دفع البلايين من الريالات، والقادرون على ذلك كثر، والحمد لله، مثل البنوك والشركات العالمية العاملة في السعودية أو مؤسسات عائلية مثل العليان والراجحي والأمير الوليد بن طلال وعبداللطيف جميل والزامل والراجحي وغيرهم كثيرون ممن أنعم الله علهم بسبب خير هذه البلاد وأمنها واستقرارها وهم لا شك مستعدون أن يتقدموا لحمل عبء بعثات طلابنا في الخارج متى طلبت منهم الدولة المساهمة في ذلك، وحتى تستقر أسعار البترول التي لا يبدو أنها ستستقر قريبا لذا نحتاج إلى خطة إنقاذ عاجلة لمن هم عالقون من الطلبة السعوديين في الخارج، إضافة إلى أهمية أن يستمر برنامج الابتعاث الخارجي في كثير من خططه وبرامج دراساته وخاصة العليا منها والمتخصصة لضمان استمرار الاستثمار في القوى البشرية التي هي المخزن والثروة الحقيقية لأي بلد إذا أحسن إعدادها.
أتمنى أن يأخذ هذا الاقتراح حيزه لدى وزيرنا الخبير فأبناؤنا الدارسون على حسابهم الخاص يعانون الأمرين لكنهم يرغبون في إكمال دراستهم فهل نمنح مجتمعنا بأفراده ومؤسساته فرصة المساهمة؟
- مجال الأنشطة اللاصفية: إحدى مناطق الاضطراب في علاقتنا بالتربية والتعليم هو هذا الاعتقاد الشائع بأن الدراسة بكل ما تستلزمه من تعليم وأنشطة صفية ولا صفية هي مسئولية المدرسة فقط في حين تدار الكثير من هذه الأنشطة الرياضية والتكنولوجية والفنية والمسابقات التي تملأ فضاء كل المدارس حول العالم عن طريق الأهالي والمؤسسات المجتمعية الأخرى.
وينظر إلى الأنشطة اللاصفية والتطوعية في كل مدارس العالم على أنها جزء أساسي من النظام المدرسي وليست شيئاً اختيارياً بحيث يطلب من كل طالب الالتحاق بنشاط أو أكثر ولا يتمكن من التخرج من مرحلة إلى أخرى إلا باجتياز ساعات ونشاطات محددة وهذا ما حمى أطفالهم ومراهقيهم من الجلوس ساعات وساعات على أجهزة الكمبيوتر والألعاب المدمرة لكل الطاقات الجسدية والعقلية إذ هم ينهون العمل المدرسي ثم يبدؤون نشاطاتهم الرياضية والفنية والمسرحية ومعظم هذه الأنشطة تدار بواسطة آباء الطلبة من الدارسين، فتجدهم مسئولين عن فريق كرة القدم أو نادي الرياضيات أو نادي العلوم أو التكنولوجيا الخ ولكن تحت إشراف المدرسة وضمن ضوابطها ولو أتحنا لأغنيائنا وشركاتنا فرصة بناء البنية التحتية لهذه الأنشطة التي تفتقدها للأسف معظم المدارس السعودية، إضافة إلى أن يتولى الآباء والأمهات أدوارا رئيسة في إدارة تعلم أبناءهم لتحقق لنا جعل المدرسة حياة حقيقية للطالب وليست سجنا إلزاميا كريها يتطلع الطالب للهرب منه مما يحقق ما نادى به الفيلسوف التربوي المشهور جون ديوي بأن تكون المدرسة هي الحياة. (اقرأ في ذلك كتاب: المدرسة والمجتمع: جون ديوي).
المؤشرات الإحصائية تنبئنا بأن آباء التلاميذ الموجودين على مقاعد الدراسة اليوم هم متعلمون في الغالب، وهذا يعني قدرتهم على فهم الجوانب المتعددة للعملية التعليمية وشروطها ومناخها العام. الآن وبإنشاء جمعيات للآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات وتسمي تي بي ا (جمعية المعلمين والوالدين) في كل من مدارس البين والبنات تستطيع المدرسة من خلالها التواصل مع الأهالي ضمن أطر رسمية تسمح لهم بعقد الاجتماعات والترشح لرئاسة الجمعية والإشراف على معظم النشاطات اللاصفية التي يجب أن تكون جزءا مكونا من المدرسة السعودية التي يعتقد معلموها خطأ بأن مهمتهم هي التدريس ثم العودة إلى البيت بعد دوام قصير. المدارس والبيئات المدرسية يجب أن تكون في قلب حياة الطالب وأسرته صباح مساء عبر المسابقات العلمية والفنية والرياضية والاجتماعية والخدمات التطوعية بحيث نحمى أبناءنا وبناتنا من هذه الألعاب الكمبيوترية الخطيرة التي يهرعون لها منذ لحظة مغادرتهم للمدرسة حتى منامهم حتى أن بعض الدراسات الحديثة أشارت إلى أن السعوديين أطفالا ومراهقين وخاصة الذكور منهم يقضي البعض منهم حتى سبع ساعات متواصلة في ممارسة هذه الألعاب بما يحتم ضرورة إيجاد البدائل الأكثر صحة وثراء عن طريق البرامج اللاصفية في المدرسة التي تحميهم حتى من الأفكار الإرهابية وخلوة الجلسات الشبابية والاستراحات التي لا يستطيع الوالدين مهما فعلوا، خاصة مع الذكور السيطرة عليها.
النماذج العالمية لهذا التطبيق تملأ فضاء الميدان التربوي ولنبدأ بالأعداد والتدريب عن طريق نظام التوأمة مع مدارس أو مؤسسات غير سعودية موجودة في بلادنا مثل بعض المدارس العالمية الأجنبية المشهورة، ومن خلال شركات الخبرة الخ التي ستبنى بالتدريج عالم الأنشطة اللاصفية ليصبح جزءا حقيقيا من سلوك وممارسة المدرسة السعودية الحديثة.