د. محمد البشر
الموازنات في أرجاء العالم تعد توقعات لما سيحدث في المستقبل خلال مدة معينة سواء فيما يخص الإيرادات أو المصروفات، وهي أيضًا تحديد لأوجه الصرف المختلفة وقيمها إلا في ظروف طارئة، ولهذا فإن الغالب من الناس يترقب إعلانها للتعرف على حجم الإنفاق، وأوجهه وأساليبه والقيود المفروضة.
وهناك دول كثيرة في العالم تعتمد في جزء كبير من ميزانياتها على عدد محدود من السلع، أو الخدمات، سواء كانت تلك السلع مادة خام أو مصنعة، وسواء كانت تلك الخدمات صنعها التاريخ أو الطبيعة كما هي السياحة، أو تلك الخدمات التي هيئت بفعل فاعل كما هي في دبي، وسنغافورة، وغيرها من البلدان، ولا شك أن هناك دولاً كثيرة وعلى رأسها الدول المتقدمة تعتمد على ما تجنيه من ضرائب ورسوم على آلاف السلع المصنعة وغير المصنعة والموارد الطبيعية والتاريخية والخدمية.
وعندما تنخفض أسعار النفط، وتحيط بالمنطقة أحداث جسام، لا بد أن تتأثر المملكة بذلك، فالنفط يمثل مصدرًا مهمًا للميزانية، ولمكانة المملكة عالميًا وإقليميًا، فلا بد أن يتأثر إنفاق المملكة بما يحدث من حولها، ولهذا يمكن القول إن ميزانية المملكة لعام 2016 ميزانية متوازنة.
الإنفاق العام على الخدمات لم يتأثر كثيرًا، وتصحيح بعض الأسعار الاستهلاكية يراه الأغلب مقبولاً، فما كان سائدًا لا يستقيم مع المنطق الاقتصادي، فما بالك في ظل ظروف جديدة من انخفاض لأسعار النفط، وظروف تسود المنطقة، والأغلب من المواطنين قبل الإعلان عن ذلك، كان متفقًا على أن الأسعار منخفضة جدًا، ولا بد لها من تصحيح، وبشيء من التهذيب في أساليب الصرف لدى الفرد والأسرة يمكن استيعاب هذه الزيادة.
إن استهلاك الفرد في المملكة للمنتجات النفطية يعد الأكبر في العالم، وهذا ناتج من انخفاض السعر، وتباعد المسافات، وكذلك العادات السائدة في السفر، وتجنب الكثير من المواطنين السعوديين استخدام المواصلات العامة.
عجز الميزانية المتوقع نحو سبعين مليار دولار، وسوف يتم اقتراضه داخليًا أو خارجيًا لا سيما أن هناك موجودات كثيرة من العملات الصعبة في البنوك، وهذا سيساعد البنوك على استثمار ما لديها في سندات حكومية مضمونة ذات عائد معقول، وإذا ما تم توظيف الفوائض السابقة توظيفًا حسنًا فإن الزيادة في عائدها سيكون كفيلاً بسد ما طرأ من خدمة الدين، ولهذا فإن شيئًا من الترتيب سيغطى ما حدث من انخفاض في الإيرادات.
هناك خطوات تصحيحية ملموسة حدثت أدت إلى ارتفاع العوائد غير النفطية، وستتلوها خطوات تجعل الاعتماد على النفط أقل شأنًا، وبالتالي ستنطلق المسيرة الاقتصادية غير المعتمدة على النفط فقط، فالاقتصاد له أدوات كثيرة منها الهيكلة، والتنويع، والترشيد، وفوق ذلك كله رفع الكفاءة الإنتاجية لدى الشركات والأفراد من خلال الإدارة الرشيدة، وقدرة الفرد على استخدام الوسائل الحديثة من تقنيات وغيرها بطريقة أفضل، والخيارات لدى المملكة كثيرة ومتنوعة.
في ظل هذه الظروف سيكون للهيكلة، والتشريع، والتعليم، وتغيير ثقافة الفرد الإنتاجية، اليد الطولى في بلوغ المرام، والوصول إلى الهدف النبيل الذي سعت إليه المملكة.
الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله-، ومن خلال المجلس الاقتصادي الأعلى الذي يرأسه سمو ولي ولي العهد، قد طرحت مفهومًا جديدًا للاقتصاد.
والقيادة تعي حساسية المرحلة وتحدياتها لهذا لم تتأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة مباشرة وعدم تأجيلها، وربما أنها قد استهلكت من الوقت والجهد ما قد يتطلب أكثر من هذه المدة القياسية، والأهم هو اتخاذ القرار دون تردد، مع مواصلة مسيرة الإنفاق الحكومي والبناء والتشييد لأن هذا ما سوف يقود الاقتصاد إلى الارتفاع، علمًا بأن إجمالي الإنتاج الوطني السعودي قد زاد على ثلاثة تريليون ريال، وهو رقم كبير مقارنة بغيره من اقتصاديات المنطقة، ولذا فإن المملكة تعد أكبر اقتصاديات العالم العربي، والتاسع عشر على مستوى العالم، وإحدى دول العشرين الأكبر في المعمورة.
أعود لأقول، إن الفرد هو محور التنمية وقاعدتها، وأسها، فإذا ما تحسنت ثقافته العملية، وارتفعت كفاءته الإنتاجية، فإنه سوف يضيف المزيد إلى دخله شخصيًا وعائلته، كما أنه سوف يسهم مساهمة كبيرة في اقتصاد الدولة، فاقتصاد الدولة هو مجموع تلك المنتجات والخدمات التي يقوم بها الأفراد، إضافة إلى الموارد الطبيعية المتاحة، لذا فإن الفرد سيكون القاسم المشترك في إدارته وجهده وعمله، والعمل متعة، والأكثر انشغالاً بالإنتاج، هو الأكثر سعادة في العالم.