سمر المقرن
بعض التصرفات والسلوكيات لا يمكن وصفها بأكثر من كلمة «شفاحة».. فالسيارات التي ملأت محطات الوقود يوم الاثنين الفائت، بعد إطلاق ميزانية العام الجديد وإعلان رفع الدعم عن الوقود وزيادة أسعاره، ما أدى إلى تدافع - بعضهم- على المحطات لتعبئة سياراتهم، وكأن هذه التعبئة ستكفيه شهر، مع أنها في شوارع مثل مدينة الرياض ومع المشاوير اليومية الاعتيادية لن تغطي هذه التعبئة احتياج السيارة ليومين، وكأن ارتفاع سعر الوقود أمر مؤقت ولن يكون بشكل دائم على الجميع التعايش معه، لكن ما حدث ليس أكثر من «شفاحة».. نفس ما يحدث ليلة رمضان عندما ينهمر -بعض - الناس على محلات التموين وكأنهم سيموتون من الجوع لو لم يشتروا كل هذه المواد الغذائية، وكأنه الشهر الوحيد الذي يأكل فيه الناس، نفس الأمر يسري على من يُكثر من شرب الماء قبل أذان الفجر في رمضان بكمية أكثر من احتياجه، وكأنه لو لم يشرب كل هذه الكمية سيموت من العطش، لكن هذا السلوك برمته لا يمكن وصفه بأكثر من كلمة «شفاحة».
لدي إيمان عميق، بأن الأشخاص الذين تدافعوا على محطات الوقود يوم الاثنين الفائت، هم نفسهم من يتدافع على محلات التموين ليلة رمضان، هم نفسهم من أنقض على شراء مكائن سنجر قبل أكثر من ست سنوات بحثًا عن الزئبق الأحمر بعد أن سرت شائعة وجوده في تلك المكائن.. كل ما في المسألة أنه مجرد حالة من «الشفاحة».
هذه السلوكيات وغيرها، لا تعدو عن قلة الوعي، فلو امتلك الإنسان الوعي الكامل والنظرة بعيدة المدى لما وصل إلى هذه المرحلة. أيضًا حالة الامتلاء بالقناعة وهي من الفضائل التي ترفع الإنسان عن سفاسف الأمور، وكما تقول إحدى الحكم الغربية: (في العالم كثيرون من يبحثون عن السعادة وهم متناسون فضيلة القناعة)، أتفق تمامًا مع هذه المقولة؛ لأن الشخص لن يكون سعيدًا طالما لم يصل إلى هذه الفضيلة.
ولو ربطنا ظاهرة الحسد بقلة منسوب القناعة التي تؤدي إلى «الشفاحة» فلا بد أن أتذكّر معكم مقولة الحسن البصري الشهيرة: (اثنان لا يصطحبان أبدًا: القناعة والحسد) ولعل هذا ما يوصلنا إلى تحليل انتشار الحسد في مجتمعنا، فبعضهم يحسدك على كل شيء، وأجزم أن هذا الحاسد هو نفسه من زاحم محطات الوقود وركض إلى محلات التموين ليلة رمضان ليملأ مطبخه بأكبر كمية من المواد الغذائية، ولعله أيضًا هو من يشرب أكبر كمية من الماء وقت أذان الفجر قبل الصيام!
المحصلة أننا شعب استهلاكي بامتياز. وأكّد على أنه شيء جميل جدًا، أن ننقد بعض السلوكيات السلبية في المجتمع، والأجمل أن يؤمن الشخص بوجودها ويعمل على تعديل سلوكياته، فليس هناك عيب أن يُصاب أي منا بسلوك سلبي، إنما العيب هو إنكاره والاستمرار في ممارسته!