د. حمزة السالم
نقلت جريدتنا الجزيرة عن معالي وزير الشؤون الاجتماعية قوله مخاطبا مجلس الشورى «والطبقة الوسطى بدأت تنعدم أو تندثر.. في حين أنها هي الطبقة التي يعتمد عليها المجتمع.. وهي المؤثرة فيه.. ولا بد من دراسة هذا الأمر.. وما هي أسباب انكماش هذه الفئة.. والعمل على سد الفجوة». وقال «إن لدى الوزارة دراسة متكاملة لتخصيص بعض خدماتها، فيما يجري المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية دراسة تهدف لتعزيز الطبقة الوسطى في المجتمع».
وأتساءل أولا: وهل كان لدينا طبقة وسطى أصلا؟ بل هي طبقة الدخل المتوسط. فالطبقة المتوسطة هي الطبقة التي يخلقها الإنتاج الاقتصادي وهي التي تخلق الإنتاج بالعمل المنتج فيه. وقد كنا قبل طفرة البترول الأولى مجتمعا بسيطا غالبية أفراده على حد الكفاف حتى جاء الله بالبترول فوزعت الدولة أموال البترول على المجتمع بطريقة أو بأخرى ومن أهمها الوظائف الحكومية التي كان يتسم كثير منها بالبطالة المقنعة. وبهذا ارتقى كثير من أفراد المجتمع في حياته المعيشية. وهذه الطبقة هي التي أُطلق عليها تجوزا مسمى الطبقة المتوسطة، وهي في الواقع الاقتصادي ليست طبقة متوسطة بل طبقة زبد طفرة البترول. واليوم وإن كنا نعيش أعقاب طفرة بترولية أخرى فهي ليست قادرة على إيجاد زبد كالزبد الأول، لزيادة عدد السكان.
وثانيا: أتساءل عن قول الوزير إن الطبقة الوسطى هي التي يعتمد عليها المجتمع وهي المؤثرة فيه. فلا أدري هل يتحدث الوزير عنا؟ فإنما ما يقوله الوزير هو خاص في المجتمع الصناعي. فالاقتصاد الصناعي بحاجة إلى الطبقة الوسطى من أجل أن تستهلك الإنتاج، فلولا الطلب لما كان هناك عرض. ولذا ترى المجتمعات الصناعية في ثراء متنامٍ وتنعم بالكماليات، لأن المنتجين (وهم الـ1%) يتنافسون على طلب المستهلكين بتنويع الإنتاج وزيادة جودته، وكلما زاد الإنتاج زاد الطلب على العمالة وزادت الأجور وزاد بالتالي الاستهلاك ولذا فالطبقة الوسطى هي محرك الاقتصاد في المجتمع الصناعي. وهي التي عليها المعتمد في الإنتاج كذلك. أما الطبقة المتوسطة الدخل التي تولدت بسبب توزيع عوائد النفط على المجتمع فهذه طبقة لا يعتمد عليها المجتمع ولا تزيده إلا إرهاقا. فلا اعتماد عليها لا في الإنتاج ويزيد استهلاكها من الغير كلما زادت في العدد أو الغنى، فهي تزيد الاقتصاد إرهاقا كلما زادت.
فمن الظلم لنفسك ولوزارتك يا معالي وزير الشؤون الاجتماعية أن تتحمل مشكلة الطبقة الوسطى، فكل ما تبذله الدولة اليوم في تنويع مصادر الاقتصاد هو من أجل إيجاد طبقة وسطى حقيقية قائمة على الإنتاج فهي التي تنتج وهي التي تستهلك. فالدولة قد تعلمت أن طفرات البترول لا تدوم، فوجهت ثروات الطفرة الحالية لإيجاد بنية اقتصادية متينة تستطيع أن تخلق طبقة وسطى حقيقية تنمو وتزيد مع الأيام، ولا يتوقف نموها مع ذهاب الطفرة.
لكن عندي ما يتعلق بوزارتك ويتعلق حول ما تقصده يا معالي الوزير. فطبقة ذي الدخل المتوسط عندنا هم من يقع عليهم عبء الضرائب ورفع الإعانات. فقد جاءت تسعيرة الكهرباء على وزن نوايا ضريبة القيمة المضافة. كلاهما سيتعامل، بطبيعتها التركيبية، مع ذي الدخل المحدود ومع ذي الدخل اللامحدود بمعاملة خاصة، لتُحمِل عبء وضع الضرائب ورفع الإعانات على طبقة ذي الدخل المتوسط. ولا أدعي أن هذه السياسة الاقتصادية سياسة جديدة، بل هي السياسة القائمة من قبل.
إن ما يطرح من أعذار، ليس صحيحا إنما جعله صحيحا غلبة ذي الدخل اللامحدود على اللجان. فمثلا دعوى ضرورة التوحيد مع دول الخليج في ضريبة القيمة المضافة، لا صحة لها. فهلا ذكرت دراسات مكنزي وغيرها أمثلة من الولايات المتحدة الأمريكية وهناك ولايات ليس عليها ضرائب سلع إطلاقا. فترى حدود الولاية مع الولايات المجاورة وقد تحولت أسواقا ضخمة بسبب شراء سكان الولايات المجاورة منها تهربا من الضريبة. أفلا يستحق هذا أن تأتي به مكنزي وتعلمنا الفرق. ويستحق كذلك أن تأتي بالفروق بيننا وبين دول الخليج ولماذا تصلح لهم ضريبة السلع (أي القيمة المضافة) ولا تصلح لنا.