إبراهيم بن سعد الماجد
كان صباحاً إيمانياً مبهجاً عندما أرتوت الأرض بدماء نُفذ بها شرع الله, لسنا سفاكة دماء, ولكننا دُعاة خير وللخير ندعو ولشريعة الله نُنفذ.
قبل سنة من الآن تقريباً كنت في زيارة لسجن المباحث العامة بدعوة من المسؤولين هناك, التقيت بمجموعة من السجناء, وتعرفت عن كثب على أفكار لا يمكن أن تكون أفكاراً سوية, فلا بيعة في أعناقهم, ولا مسلمون سواهم.
واليوم ونحن نبتهج بتنفيذ شرع الله في زمرة من هؤلاء الذين سعوا في الأرض فساداً وإفساداً, نرفع أكف الضراعة لله وحده على أن جعل أرضنا أرض شرع الله وعلى ترابها تنفذ حدود الله, فلا شيء يمكن أن يكون فوق ديننا وأمن بلادنا.
نُفذ القصاص والحرابة بهذه الزمرة متعددة الأصناف, فلا هي من مذهب دون آخر, ولا هي من منطقة دون أخرى, مما يؤكد أن الشرع يُطبق بحق الجميع.
عندما نتحدث عن محاربة الفكر الضال، أو عندما نقول إن معركتنا مع هؤلاء الخوارج مستمرة حتى آخر خارجي يهلك، فإن ذلك من منطلق شرعي قبل أن يكون أمنيًا، فقد ورد في أكثر من حديث نبوي شريف ما يشير إلى خروج هذه الفرقة المارقة من الدين المستحلة لدماء المسلمين، وقد كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أولى نبتاتهم، لنقرأ هذا الحديث الصحيح بمزيد من التؤدة لنفهمه ونعي بعده، وما قاله عليه الصلاة والسلام من خبر هؤلاء القوم الذين نراهم اليوم بيننا شهاراً نهارًا.
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيُّ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كِلاَبٍ وَزَيْدُ الْخَيْرِ الطَّائِيُّ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ - قَالَ - فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ فَقَالُوا أَتُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَتَدَعُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لأَتَأَلَّفَهُمْ»، فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم »فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي»، قَالَ ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ - يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم »إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ). متفق عليه
قوله: (بذهبة في تربتها) وفي رواية (ذهيبة) هي تصغير للذهب و(في تربتها): أي لم تصفى.
قوله: (ضِئْضِئِ): قال الخطابي: الضئضئ الأصل يريد أنه يخرج من نسله الذي هو أصلهم أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قوله.
قوله صلى الله عليه وسلم: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد»: أي قتلاً عاماً مستأصلاً.
وفي الحديث الآخر عن هؤلاء القوم
وهذا حديث آخر لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يأتي تأكيدٌ لما سبق من خبر هؤلاء المارقين الضالين المضلين.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ النَّاسِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَمَنْ لَقِيَهُمْ فَلْيَقْتُلْهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ»، حديث صحيح رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
أمرٌ صريح منه صلى الله عليه وسلم بقتل هؤلاء الأشرار، فهو الذي لا ينطق عن الهوى يخبرنا بأنهم شرار الخلق وأن قتلهم فيه أجرٌ من الله، لذا فإن قتلهم كما أسلفت ليس من منطلق أمني فحسب وإنما من منطلق شرعي أيضاً..
عن أبي غالب قال: لَمَّا أُتِيَ بِرُءُوسِ الأَزَارِقَةِ فَنُصِبَتْ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ، جَاءَ أبو أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: «كِلَابُ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَؤُلَاءِ شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ هَؤُلَاءِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأْنُكَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: قُلْنَا: أَبِرَأْيِكَ، قُلْتَ: هَؤُلَاءِ كِلَابُ النَّارِ، أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنِّي لَجَرِيءٌ، بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا ثِنْتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثٍ، قَالَ: فَعَدَّ مِرَارًا. حديث صحيح رواه الترمذي وبن ماجه وأحمد واللفظ له.
من يكذب هذه الأحاديث الصحيحة هو من يؤيد فكرهم ويدافع عن منهجهم، والتكذيب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر بواح، ولذا فإن قتل من اتصف بهذه الصفات الموبقات واجبٌ شرعي على ولي الأمر لا مهادنة ولا تسويف فيه.
وهل هذه الدولة إلا متبعة لا مبتدعة؟ نقتلهم بما ورد في الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبنص صريح من رسول الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام.
كتابٌ وسنة هذا هو دستور بلادنا، لا حقوق إنسان تمنعنا عن تطبيق شرع الله، فنحن من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، ولذا فلا تشريع أرضياً بشرياً يحكمنا، وإنما تشريع سماوي يضبطنا في كل أمور حياتنا.
الذين رضوا بحكم الطواغيت هم الذين يحق لهم الاعتراض على مثل هذه الأحكام، كونهم قبلوا بأن يحكمهم بشر في كل شؤون حياتهم، لكننا في هذه البلاد الطاهرة الذي يحكمنا ونتحاكم إليه في كل شؤون حياتنا هو كتاب الله وسنة رسول الله، ولذا فإن ما يقره الشرع نتقبله بصدور رحبة وقلوب مطمئنة.
والله المستعان..