جاسر عبدالعزيز الجاسر
ورحل راشد فهد الراشد أحد روّاد صحافة المؤسسات في المملكة، والصحفي الذي ثقف نفسه ذاتياً، وبنى تأسيسه الصحفي معتمداً على قراءاته الأدبية ومعايشته لبيت ثقافي وفكري، فالراحل عاش مصاحباً لخاله شقيق والدته الشيخ عبد الله بن محمد الخميس الشاعر والأديب والصحفي السعودي أحد روّاد الصحافة السعودية إبّان سنواتها الأولى، ثم مرحلة المؤسسات الصحفية، وملازمته لشقيقه الأديب الذي لا يعرف أحد أنه يتفوق على الكثيرين ممن يمتهنون القلم، الأستاذ عبد الرحمن الراشد الذي هو خير من يتحدث بالعربية، والذي قوّم لسانه بحفظه للقرآن الكريم، ثم حفظه لشعر أبي الطيب المتنبي، كنا نطلق عليه (خزانة المتنبي) لكثرة استشهاده بشعر المتنبي الذي كله حِكَم.
نعود لأبي غسان الذي كان الضلع الثالث لبيت ثقافي وأدبي، قمّته عبد الله بن خميس وضلعاه عبد الرحمن الراشد وراشد فهد الراشد، الذي كان عاشقاً وممارساً ومحباً للصحافة، وحسب علمي لم تستهوه أي مهنة أخرى إلاّ الصحافة، حتى الصناعات التي لها علاقة بالحرف لم تأخذ من وقته كثيراً، فدار النشر التي أنشأها ترك إدارتها لمن يثق بهم، أما هو فكان أجمل أوقاته البقاء في مكاتب التحرير يكتب ويناقش ويوجِّه، له أسلوب متفرّد في إدارة العمل، يلقّن المعلومة للزملاء الصحفيين دون أن يشعرهم بأنه يوجههم، فلم يمارس الأستذة رغم أنّ الجميع يقرّون بأستاذيته وتفوُّقه.
كان يكتب الرأي والتحليل السياسي ويعيد صياغة الأخبار بروح المحب والعاشق للصحافة، يحب دائماً أن تكون كلماته مباشرة، وإن جاءت مقالاته بصيغة أدبية مطرّزة بعبارات بلاغية، وبلغة رائعة لا يمكن أن تكتسب إلا من جعل الكتاب صديقه الوفي، وزميله الذي لا يفارقه.
راشد فهد الراشد يُعَد واحداً من المثقفين والصحفيين القلائل الذين يمكن اعتبارهم من طبقة المثقفين العصاميين، فهو رغم أنّ علاقته بالشيخ عبد الله بن خميس قد فتحت الطريق له للولوج إلى عالم الصحافة، إلا أنه بنى نفسه وثقّفها وعلّمها واكتسب الخبرة الصحفية بنفسه، وبعد ذلك أثبت جدارته وكان من الكفاءات التي تبحث عنها الصحف ويستعين به رؤساء التحرير، للحصول على استشاراته وآرائه حتى آخر أيامه. وفي آخر أيامه داهمه المرض إلا أنه أبى أن يترجّل وظل وفياً لمبادئه وأخلاقه وقلمه حتى اختاره الله إلى جواره.
رحم الله أبا غسان، فقد كان صديقاً يعتزُّ الإنسان بصداقته.