أ.د.فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
إن من أهم ما يتميز به الإسلام أنه دين كامل وشامل يحتوي على جميع الأحكام والتشريعات المتعلقة بالإنسان، في شتى مجالات الحياة، العقدية والاجتماعية والمالية والقضائية والسياسية، بين المسلمين بعضهم مع بعض، وبين المسلمين مع غيرهم من الملل والنحل، في حالات السلم وحالات الحرب، وفي جميع الظروف والأحوال، بما يحقق السعادة للإنسان، ومبنية على الرحمة والعدالة والإحسان، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، وقال جل وعلا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.
ومن أهم خصائص الكمال والشمولية في الإسلام، أنه يتجاوز الزمان والمكان، حيث يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، كما أنه يشمل كل أرض يعيش فيها الإنسان، بغض النظر عن لونه وعرقه ولغته، لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وقوله جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.
* * *
من جانب آخر فإن للإسلام خصيصة أخرى هي منهجيته الواضحة في تحقيق المصالح الكبرى للإنسان في الدين والدنيا، أو ما تسمى بالمقاصد الشرعية الكبرى والتي تتمثل في حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال، وكل ما يتعلق من مصالح مادية ومعنوية أخرى تدخل ضمن هذه المقاصد الخمسة، ومن يخرج عن هذه المقاصد، غلوًا أو تهاونًا، فإنما يحدث خللاً وانحرافًا في منهجية الإسلام التي رسمها الكتاب والسنة. قال الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».
* * *
إن من سنة الله تعالى في هذا الكون منذ أن خلق الخليقة وإلى قيام الساعة، أن جعل الصراع والتدافع قائمًا بين الحق والباطل، وبين النور والظلمات، قال الله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، وهذه السنة قائمة لن تتغير إلى يوم القيامة، مهما حاولت الدول والمنظمات أن يغيروا منها بأن يجعلوا جميع الناس في بوتقة واحدة وتحت نظام عالمي واحد من خلال نظرية العولمة المعاصرة، لقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
ومن أجل ذلك فإن أعداء الإسلام بأشكالهم وتياراتهم المختلفة، يبذلون قصارى جهودهم ومكائدهم من أجل كسب هذا التدافع وفرض سيطرتهم ومذاهبهم ونظرياتهم على العالم، ويمارسون في سبيل ذلك شتى الوسائل والأساليب التي من شأنها ضعف الأمة علميًا وفكريًا واقتصاديًا، بالعسكرة المباشرة أحيانًا، وبإثارة القلاقل والفتن والأباطيل أحيانًا أخرى عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمرئية.
* * *
ووطننا الحبيب المملكة العربية السعودية تعرضت منذ سنوات، وما زالت، لحملات شعواء من قوى الشر والطغيان، للنيل من استقرارها والتخلي عن عقيدتها وتعاليم دينها، خاصة وأنها تحكم شرع الله في جميع مجالات الحياة، في الأحوال الشخصية والاقتصاد والجنايات وغيرها، كما أنها تحتضن الحرمين الشريفين وتقوم على عنايتهما ورعاية ضيوفهما.
ومن تلك الحملات التي يمارسها الأعداء اتهامها برعاية الإرهاب وتصديره إلى العالم.
ورغم أن المملكة العربية السعودية هي من أكثر الدول التي تعرضت لإرهاب التفجيرات من الجماعات التكفيرية المغالية، وراح ضحية ذلك الكثير من أبنائها ورجال أمنها، ومع أن نظام الحكم الأساسي فيها مستقاة من الكتاب والسنة، أي أنه يجرّم كل أشكال القتل والاعتداء على الإنسان، ويحافظ على حياته وماله وعرضه، إلا أن قوى الشرّ لا تريد أن ترى الحقيقة الواضحة كما يبدو.
وما يطبق من أحكام وقوانين في النظام القضائي بالمملكة هو جزء من النظام الأساسي لديها، فكل جناية تقابلها عقوبة، وليس في ذلك أي اعتداء أو تجاوز لحقوق الإنسان، بل إن تنفيذ الأحكام هو لحماية حياة الإنسان وحماية أمن البلاد، كما قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وهنا أورد بعض المواد من النظام الأساسي للحكم في المملكة، حتى يعلم المتربصون الذين يصطادون في الماء العكر أن تطبيق العقوبات على الجناة إنما هو نظام أساسي في البلاد وليس مجرد هوى للنفس أو انتقامًا للذات:
المادة 1: المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم «ولغتها هي اللغة العربية» وعاصمتها مدينة الرياض.
المادة 7: يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة.
المادة 8: يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
المادة 12: تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام.
المادة 26: تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية.
المادة 36: توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلاّ بموجب أحكام النظام.
المادة 38: العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلاّ على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي.
المادة 46: القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية.
المادة 47: حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة ويبين النّظام الإجراءات اللازمة لذلك.
المادة 48: تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة.
* * *
من خلال ما سبق، يتبيّن لنا بعض النتائج المهمة التي يجب فقهها ومراعاتها:
* أن نعتزّ بديننا، عقيدة، وشريعة، ومنهج حياة، والحَكَم في جميع القضايا والمعاملات الأمنية والجنائية والمالية والاجتماعية وغيرها، فهو أساس الضمانة لسعادة الدارين.
* علينا فقه النظام الأساسي للحكم في المملكة، وضرورة فهمه ومعرفته، خاصة وأنه نابع من المصدرين الأساسيين في التشريع الإسلامي: الكتاب والسنة، وما ينبثق منهما من أنظمة مرعية، وقد كفل هذا النظام حق الأفراد والمجتمع والدول.
* معرفة حقوق ولاة الأمر، وإظهار السمع والطاعة لهم فيما أمر الله به ونهى عنه، وعدم الخروج عليهم، حفاظًا على وحدة الصف وأمن البلاد، والعض على ذلك بالنواجذ، وهذا كفيل بإذن الله في وحدة الصف وعدم شقه، وأن نعتبر هذا دينًا ندين الله تعالى به.
* الثقة بالقضاء والقضاة في البلد، وعدم التشكيك فيهم، أو الطعن في أحكامهم، أو تشويه صورتهم، حيث إنهم يجتهدون ويحكمون بكتاب الله وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبخاصة أنه قضاء لا سلطة عليه إلا الكتاب والسنة.
* على شبابنا وفتياتنا الوعي بما يكنّه الأعداء للمملكة للنيل من دينها واستقرارها وأمنها ووحدة شعبها، مثال ذلك ما تفعله إيران - حاليًا - من قلاقل وإثارة الفتن في بلاد الحرمين الشريفين وغيرها من بلدان المسلمين، ولم يكن خافيًا اليوم ما تفعله في سوريا واليمن والعراق وما تحدثه في دول مجلس التعاون وذلك عن طريق بعض أتباعها في الداخل، وكذلك الهجوم على سفارات المملكة وممثليها في طهران، تنديدًا بالعقوبة التي نالت مواطنًا سعوديًا، إلا أنه من جنودها الذي أظهر عداوته للمملكة.
ومن المفارقات هنا، أن إيران لا تتوقف عن تنفيذ أحكام الإعدام عبر المشانق بشكل دائم على معارضيها من أهل السنة من العرب والأكراد والبلوش، ويكفي أن أشير أنه في عام 2014م أعدمت أكثر من (743) فردًا، وعام 2015م أعدمت أكثر من (753) فردًا، والعجب العجاب أنها تدعي أن المملكة لا تراعي حقوق الإنسان.
ومن المؤسف أن بعض الدوائر الغربية تتبعها في ذلك، فهل يتسق دعوى الإرهاب ولمّا أقيم الحدّ على بعضهم تطالب برعاية حقوق الإنسان؟!
* إن محاولات الأعداء والضغوطات التي تمارس للنيل من المملكة ونظام الحكم الأساسي فيها، أو ولاة الأمر فيها، أو القضاء والقضاة، أو العلماء، لن تؤثر قيد أنملة على مسار منهجية المملكة في تطبيق شرع الله ومحاربة الغلو والتطرف أيما كان شكله ونوعه.
* علينا أن نلهج بشكر الله تعالى على نعمة الأمن والأمان، ونعمة إقامة حدود الله في بلاد الحرمين، وغيرها من النعم، طاعة لله سبحانه من جهة، وتطبيقًا للحق والعدل بين الناس من جهة أخرى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا».
* على أبناء المملكة خاصة أن يتعرفوا على المنهجية التي يقوم عليها منهاج بلدهم، وأن يحذروا من المناهج والأفكار الضالة والمغالية التي تزرع الفتن والقتل في المجتمعات المسلمة، وكذا من كل ما يشق صفها ويشرخ وحدتها، كما عليهم أن يدركوا حق وطنهم عليهم، وأن يسدوا منافذ الأعداء أيا كانت.
* إنني هنا وأنا أختم هذه الكلمات أذكّر نفسي وسائر العلماء والمفكرين والدعاة والمربين القيام بواجبهم اتجاه كل الحملات التي تتعرض لها المملكة في دينها وأبنائها وجغرافيتها ووحدتها ونظامها، وذلك بإبراز الحقائق الأساسية للناس، وما يحيك ضد البلاد من مكائد، وضرورة الالتفاف حول ولاة الأمر وأهل العلم المشهود لهم، ولا يفيد في مثل هذه الأزمات الوقوف على الحياد، لأنه يضعف البلد ويقوي الأعداء.
* * *
وأخيرًا، أسأل الله تعالى دوام القوة والعافية والأمن والسلام لبلاد الحرمين الشريفين، وسداد أولياء الأمور فيها وتوفيقهم لما يحبه الله ويرضاه، كما أسأله تعالى أن يجعل كيد الكائدين في نحورهم، وتدبيرهم في تدميرهم وتشتتهم، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.