د.عبد الرحمن الحبيب
أن يتهمك إرهابي بأحكامك القضائية فتلك شهادة لك وليست عليك.. تخيل لو أن النظام الإيراني وجوقاته المليشياوية صمتت تماماً حول تنفيذ أحكام القضاء الشرعي في السعودية بحق 47 مداناً بالإرهاب، ولم تقم بردود أفعال هوجاء، لسلمت إيران مما ورطت فيه..
يقال، مجازاً، إذا رأيت خصمك يخبط في نفسه فلا تقاطعه.. هذا ما فعلته الدبلوماسية السعودية عند هجوم غوغائيي النظام الإيراني على سفارتها.. السعودية سحبت بهدوء حازم دبلوماسييها من طهران وأعادت دبلوماسيي إيران إلى طهران، وتركت الحمقى يتورطون بأفعالهم. لم يدرك الساسة الإيرانيون أن سياسة الحِلم السعودي قد نفدت واستبدلت بسياسة الحزم. الآن، طهران تبحث جاهدة عن مخرج مع حلفائها، فمن دعوة روسيا للوساطة بين الرياض وطهران، إلى اجتماع ظريف وزير خارجية إيران مع وزير خارجية العراق الذي دعا للتوسط بين السعودية وإيران وكأنه طرف محايد، والمرجح أن ظريف طلبه منه ذلك..
كيف نستفيد من عنجهية البروباجاندا الإيرانية؟ الأمر تم بالفعل من الدبلوماسية السعودية: صارمة وهادئة لا تبدأ بالتصعيد بل الرد على التصعيد.. مثلما ذكر ولي ولي العهد السعودي لصحيفة «إيكونوميست» البريطانية:» أن التوتر بين المملكة وإيران بلغ ذروته ونحاول عدم تصعيده.. ولكن فقط نرد على الخطوات التي يتم اتخاذها ضد المملكة..».
أما إعلامياً فمن المفيد عدم استخدام بروبجاندا مضادة بل هدوء ذكي يعتمد على الحقائق الدامغة التي يعرفها المجتمع الدولي عنَّا وعن إيران، واستخدام الشهادات الدولية المحايدة، وعدم مخاطبة الإعلام الخارجي بنفس اللغة الموجهة داخلياً، فإذا كان الناس في الداخل يعرفون أن تنفيذ الحكم صدر في إرهابيين وأخذ حقه ووقته الكافي من المحاكمات، ففي الخارج هناك من لا يعرف؛ وهناك من يضلل كالزعم بأن من أعدموا كلهم من الشيعة! ومن يخلط بين الاعتراض على نوع العقوبة القصوى والزعم بأن المحاكمات ليست عادلة. علينا تقبل الملاحظات والانتقادات في القنوات الأجنبية التي تحمل وجهات نظر واختلافات ثقافية أو نقصا في المعلومات وتصحيحها بهدوء دون توتر وجدل عقيم مع أطراف الحوار.. والأسوأ الدخول في جدل مع مدير الحوار..
ينبغي استيعاب ردود الفعل المضادة التي تظهر من هيئات حقوقية ومن بعض الدول، فهي دائماً تصدر عند تنفيذ أحكام قضائية بالإعدام في أي بلد حتى لو كانت أمريكا. هي غالباً ثلاثة أنواع: الأول الاعتراض على الإعدام كعقوبة قصوى وليس على معاقبة المدانين.. وهذه مسألة فلسفية خلافية باختلاف الثقافات. الثاني الاعتراض على الإجراءات (تفتيش، تحقيق، قضاء، محاماة، استئناف..) وهي مسألة حقوقية. الثالث سياسي يعبر عن القلق في توقيت تنفيذ الأحكام، وهذا النوع يخضع لوجهات النظر فضلاً عن المصالح السياسية. كل نوع يحتاج لتوضيح خاص..
ردود الفعل التي صدرت على تنفيذ الأحكام الأخيرة في السعودية، خفتت وبهتت مع تصدر النظام الإيراني واجهة المنتقدين المضلِلين، نظام سياسي يعد متمرداً على المجتمع الدولي.. وبالكاد خرج باتفاقية دولية لرفع العقوبات عنه بسبب برنامجه النووي، الذي يراوغ فيه حالياً.. فيما لا تزال بعض العقوبات عليه باقية نتيجة مساندته للإرهاب التي يفاخر بها علناً بدعمه لمليشيات خارج الشرعية في لبنان والعراق وسوريا واليمن، إضافة لدعمه خلايا إرهابية تقوم بالتفجيرات والاغتيالات الفردية بين الحين والآخر خاصة في بعض دول الخليج... نظام منذ عقود يعد بلا منازع أعلى دولة بالعالم في عدد الإعدامات من ناحية الرقم المطلق أو النسبي.. وأبعد الدول عن حقوق الإنسان..
سِجل النظام الإيراني حافل بتجاوز الشرعية الدولية.. أوضحها للعيان الاعتداءات على المقرات الدبلوماسية، فمنذ قيام حكومة الملالي عام 1979 تم اقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز رهائن أمريكيين.. ثم الاعتداء على سفارتي السعودية والكويت عام 1987، ومهاجمة سفارة الاتحاد السوفييتي عام 1988.. اعتداء على سفارة الدنمرك 2006.. مهاجمة السفارة الباكستانية 2009.. اقتحام السفارة البريطانية عام 2011. أما محاولات الاغتيال فلن ننسى المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير السعودي بأمريكا عام 2011 وإدانة محكمة مانهاتن الفيدرالية لمنصور سيار الأمريكي من أصل إيراني الذي اعترف بالتهمة وتلقيه أموالاً من قوة القدس فرع الحرس الثوري الإيراني المصنف أمريكياً من المنظمات الإرهابية..
علينا، في الإعلام الخارجي، الاستفادة من هذه الحقائق وحسن توظيفها ودعمها بالشهادات العالمية.. فقبل أيام كتب الصحفي البريطاني المعروف ديفيد هيرست أن التداعيات الأخيرة أظهرت إيران في موقف ضعيف متخبط وأن السعودية استعدت لهذا الأمر بشكل جيد وبرزت كقوة إقليمية صارمة أكده الموقف العربي المساند لها (هافينغتون بوست). بل إن المعادلة الغربية اختلفت عن المتوقع.. فصحيفة الديلي تلغراف طالعتنا بمقال عنوانه «يجب أن تدعم بريطانيا السعودية في مواجهة إيران»، كتبه كون كوغلن. وصحيفة التايمز نشرت مقالاً بعنوان «السعودية تستحق الثناء لا العقاب». كتبه روجر بويز.
في ذات السياق، قال السفير البريطاني السابق لدى الرياض إن قائمة الذين أعدموا تتضمن عدداً من مناصري تنظيم القاعدة، وهذا شيء يمكن فهمه. وأضاف أن عمليات الإعدام السعودية تختلف عن تلك التي ينفذها تنظيم «الدولة الإسلامية» لأن السعودية دولة تعمل في إطار قانوني..»، وأضاف أن إيران تعدم عدداً أكبر من الناس. ومشابه لذلك صدر عن السفير الأمريكي الأسبق في الرياض فورد فرانكر..
بطبيعة الحال ليس الإعلام الغربي معنا، لكن الحماقة السياسية والإعلامية في إيران تدعونا للاستفادة منها، ليس آخرها الاتهام الأخرق من إيران لطائرات التحالف بتعمد قصف سفارتها في صنعاء، وإصابة بعض العاملين فيها، رغم أن وكالتي رويترز وأسوشييتد برس أكدتا إنه ليس ثمة أي أضرار في مبنى السفارة.. ولا يقل حماقة عن ذلك، زعم خطيب الجمعة في مشهد أن الهجوم على السفارة السعودية هو مؤامرة سعودية سبق التخطيط لها، بالمقابل قال جاك سترو وزير الخارجية البريطاني الأسبق عن هذا الهجوم: «ما حصل لم يكن مظاهرات عشوائية من قبل مجموعة من الأشخاص بل تم تنظيمها من قبل الباسيج..». لذا، حذر بعض الإيرانيين من العواقب الوخيمة للحماقات الإيرانية.. إذ انتقد موقع «عصر إيران» المقرب من حكومة الرئيس الإيراني، طريقة تعامل النظام الإيراني مع إعدام نمر النمر، موضحا أن قرارات إيران «العاطفية» أصبحت «لعنة على البلاد، لأنها تخلو من التبصر..».