د. فوزية البكر
أعلن المجلس الأعلى للقضاء في 11 يناير 2016 أمره بإلغاء المعرف واعتماد البطاقة الوطنية كهوية معرفة للمرأة السعودية في المحاكم في قضايا الأحوال الشخصية مثل الطلاق أو الرجعة أثناء العدة بدل حضور الشاهدين ومعرفين.
ويقصد بالمعرف: ذلك الشخص الذي يشهد بأن فلانة مثلاً هي فلانة فعلاً أمام القاضي ليتأكَّد من شخصيتها وفي العادة تطالب المرأة بشاهدين ومعرفين شرعيين يقران بأنها فلانة حتى تتمكن من إنهاء إجراءاتها في المحكمة.
وقضية المعرف كانت ضرورية في السابق لعدم وجود آلية للتثبت من شخصيات الناس وخصوصًا النساء عند إصدار الأحكام في القضايا الشخصية في المحاكم لذا وجد حل المعرف لكنه وبعد الزيادة السكانية الهائلة وتشتت الناس والأقرباء في مناطق مختلفة تعقدت قدرة الناس وخصوصًا المرأة في إحضار معرفين ذكور من عائلتها فتعطلت مصالح الكثيرات وظهرت البدائل التجارية التي نعرف أنها كاذبة حيث يمكن (شراء) معرفين اثنين يكونان موجودين أمام المحاكم بحفنة نقود وما عليهما إلا أن يشهدا بأن فلانة هي فعلاً فلانة ثم يقبضان الثمن وهو ما قلل من مصداقية آلية المعرف التي تنطوي في معظم الأوقات على نوع من التحايل والتزوير لتجاوز متطلبات عفا عليها الزمن خاصة مع ظهور البطاقات الوطنية المدرجة إلكترونيًا في نظام الدولة وانتشار نظام البصمة.. الخ من التطورات الإلكترونية التي تسهل التعرف على الإنسان وإثبات شخصيته لذا فإن إصدار المجلس الأعلى للقضاء أمره بإلغاء المعرف لهو خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تجسير طريق المرأة السعودية إلى الأهلية الكاملة مثلها مثل شقيقيها الرجل.
وقضية أهلية المرأة السعودية هي في قلب ملف المرأة السعودية الساخن على الدوام لذا يعجب كل من يأتي إلى المملكة مسلحًا بالفكرة (السائدة) عن المرأة السعودية هنا بأنها ضعيفة مسلوبة الإرادة ولا حول لها ولا قوة ثم يأتي ليراها في كل مكان تعمل أستاذة وطبيبة وصحفية وداعية وبائعة ومسوقة الخ، بل إن النساء السعوديات اقتحمن مجالات لم تعرف سابقًا مثل مصممات في عالم الأزياء الباذخ ومنظمات للحفلات والمناسبات ومصورات محترفات ومهندسات وغير ذلك من المجالات غير التقليدية التي كانت المرأة السعودية معروفة فيها مثل التدريس أو التطبيب.
لا ننسى أن الجيل الجديد الذي يدير عجلة التغيير النسائي اليوم هم أبناء وبنات لآباء متعلمين في الغالب ومن ثم ستعمل الأسر ما في وسعها لإعطاء بناتهن أحسن الفرص التعليمية والوظيفية بمعنى أن المناخ الاجتماعي العام في وقتنا الحاضر مستعد لإعطاء المرأة حقوقًا مدنية كاملة قانونيًا كما هو الرجل بحيث تستطيع التصرف والحركة بما يمكنها قانونيًا من تحقيق الاستغلال الأفضل لمقدرتها الشخصية ويبقى تحرك ودعم الأجهزة الرسمية.
وحين ندعو إلى إعطاء المرأة حقوقها المدنية كاملة فإننا هنا نعني تحديدا: إعطاء المرأة حقها القانوني بشخصيتها الاعتبارية حين تبلغ سن الحادية والعشرين أسوة بالرجل وهو ما هو متعارف عليه في كل دول الخليج المجاورة التي تتشابه معنا في طبيعة المناخ الاجتماعي المحافظ لكن هذا لم يمنع من أن تعطي المرأة كافة الفرص فتستطيع المرأة في دولة الإمارات أو في عمان والبحرين والكويت أن تدرس في كل التخصصات وتحصل على نفس الفرص المالية والاستشارية والوظيفية التي يحصل عليها زميلها الرجل فرأيناها وزيرة ورئيسة جامعة ورئيسة تحرير وعضوة في أعلى المجالس واللجان العلمية والوطنية والسياسية باعتبارها مواطنة كاملة فما الذي يمنع من إعطاء المرأة السعودية ذات الوظائف المشروعة وهي لا تقل في إبداعاتها العلمية والاجتماعية عن زميلها الرجل السعودي أو عن أختها في باقي دول الخليج؟
قضية انعدام أهلية المرأة السعودية موضوع شائك وملتبس من النواحي القانونية والثقافية لكنه ينعكس سلبًا على كل أوجه الحياة التي تمارسها المرأة. فمثلاً وعلى الرغم من وضوح الحق الطبيعي للمرأة في الحصول على العلاج المناسب أو إجراء بعض العمليات يقف مفهوم الولي الشرعي في كثير من الحالات وخصوصًا بين النساء اللاتي يعشن خارج المناطق الحضرية ضد تمتعهن بحق العلاج المناسب. المفهوم الاجتماعي السائد بأن المرأة لا تملك صنع القرار بشأن أي أمر يخصها جسدًا أو روحًا أو أوراقًا رسمية أو تصرفًا ماليًا هو ما يجعل النساء أنفسهن أسيرات لهذه الأفكار التي تجعلهن مشلولات مما يعطل تمتعهن بحقوقهن الطبيعية بما فيها اتخاذ قرار العلاج المناسب.
إذن وحتى نستطيع إعادة تهيئة المرأة ذهنيًا في الحصول على كافة الاحتياجات التعليمية والعملية والطبية الخ يجب إعادة التفكير في كل ما يضعف من مساهماتها المجتمعية عبر نظام الولي الشرعي الذي تم تطبيقه بطريقة غير صحية ولا تتناسب مع عصرنا الحاضر ولا مع كل الإنجازات التي حققتها المرأة في كافة المجالات في بلادنا.
هذه دعوة مباشرة مع بدء هذا العام الجديد ومع كل هذا الزخم الشاب الذي يملأ فضاء مدننا اليوم بقيادات شابة ونشطة متحفزة لصنع التغيير بأن يعاد النظر نظام الولاية ووضع الأطر الشرعية التي تتشابه مع قوانين باقي الدول الإسلامية بحيث نتيح للمرأة السعودية فرصة العيش بأمان مع الحفاظ على أدوار الجنسين لبناء عالم عادل ومشترك.