د. أحمد الفراج
بعد حوالي أسبوعين، أي في الأول من فبراير القادم، سينطلق السيرك الانتخابي للرئاسة الأمريكية، وتردني أسئلة كثيرة عن الانتخابات الأمريكية، ولا ألوم القارئ الكريم، فهذه الانتخابات معقدة جداً، وتصعب الإحاطة بكل تفاصيلها، فالآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية وضعوا، قبل أكثر من مائتي عام، نظاماً انتخابياً فريداً، يشبه دولتهم الفريدة، أيضاً، وعلى عكس كل بلاد العالم، فإن الانتخابات الأمريكية للرئاسة تستغرق وقتاً طويلاً جداً، وتستنزف أموالاً طائلة، وجهوداً كبيرة، ويتوجب على المرشح أن يكون مستعداً لذلك، ولعلكم تذكرون أن الرئيس باراك أوباما، بدأ مسيرته شاباً يافعاً، ولم يكد يفز بالرئاسة، في عام 2008، حتى شحب لونه، وشاب شعر رأسه، نتيجة ما لاقاه من فحص دقيق لكل شؤون حياته، منذ كان طفلاً، حتى أصبح عضواً في مجلس الشيوخ، فالإعلام لا يرحم، والشعب الأمريكي مولع بمعرفة التفاصيل الدقيقة لكل مرشح، ونتيجة لذلك، فإن بعض الساسة يحجمون عن الترشح للرئاسة، خصوصاً إذا كان لديهم ماض لا يرغبون في نبشه، لأنه قد يؤدي لما لا تحمد عقباه.
لو لم يترشح الرئيس بيل كلينتون للرئاسة، في عام 1992، لما عرف الناس تاريخه الحافل مع العشيقات، وهو تاريخ طويل، بدأ مع مسيرته السياسية، كوزير للعدل، ثم كحاكم لولاية أركانساس الزراعية الصغيرة، في عمق الجنوب الأمريكي، وقد بقي ذلك التاريخ الأسود سراً، حتى ترشح للرئاسة، وحينها أصبح تحت المجهر، حتى أصبح الجمهور يتشوَّق كل يوم لسماع قصة مغامرة جديدة للشاب الوسيم، وقد بلغ الأمر درجة أن أحد أفراد شرطة ولاية أركنساس اعترف بأن حاكم الولاية، بيل كلينتون، استعان بخدماتهم للمساعدة في مغامراته العاطفية!! ومع كل ذلك، فقد تجاوز كلينتون كل ذلك، وفاز بالرئاسة، والحق يُقال إنه كان واحداً من أفضل الرؤساء في النصف الأخير من القرن الماضي، وكان عهده زاهراً، لدرجة أن الأمريكيين ما زالوا يتذكرونه حتى اليوم، وغني عن القول إنه كان لكلينتون دور كبير في فوز أوباما بالرئاسة، فقد كانت خطبة الأول في مؤتمر الحزب الديمقراطي، عام 2008، واحدة من أعظم الخطب السياسية، والتي انطلق بعدها أوباما حتى دخل البيت الأبيض.
نعم، الانتخابات الأمريكية عبارة عن سرك طويل، ولكنه مشوّق، والنظام الانتخابي الأمريكي معقد، وغريب، وفريد، ولكنه ليس عسيراً على الفهم، وكما أن هناك من يرى الانتخابات الأمريكية مضيعة للوقت، فإن هناك من يراها جزءاً من التاريخ الفريد، والملهم لأعظم إمبراطورية عرفها التاريخ، فتابعوا، ولا تترددوا في البحث والسؤال.