د. خيرية السقاف
لا يحيا, ولا يثمر التعليم إن لم يتمكن المعلمون من معرفتهم, وخبراتهم العلمية, والمعرفية، بمستويات تتفوق فيها الأصول والفروع على حدٍّ سواء, بكل جوانبها إلماماً متخصصاً, وتوسعاً مكتسَباً.
وللإيضاح في هذه القضية يمكن التمثيل بمعلم العربية على سبيل عارض,
وخير مثال عليه ذلك المعلم في المدرسة العربية القديمة, الذي كان يلم بسعة وتمكن بالنَّحْو, والبلاغة, والصرف, والإملاء, وقواعد الخط, وأساليب التعبير معاً.
لا يقف عند سؤال في أيها وهو يقول «هذا ليس اختصاصي», هذه العبارة التي تخدش مسمع كل من عنّ له سؤال, واعترضته غمة في أمر لغوي, وهو معلم العربية بدءاً, وأستاذها انتهاءً..!!
ولنا من النماذج المسيئة للعربية في المدارس, بل في الكليات , والجامعات من لا يفقه وهو في موقف العلم إلا لماماً في موضوعات العربية بشمول وتمكن,
فكثيرهم يعيث بالنحو على لسانه لحْناً, وتشويهاً, ومنهم من يحار عند تركيب الجمل في شكل أسمائها, وأخبارها في حضور النواسخ حين تطل عليها, أو عند حضور متصرفها, وممنوعها, ومعتلها وصحيحها, و..و.., و..
فحدث ولا حرج في الخط المتشابك, غير الواضح, الذي يعبث بفضاء لوح الكتابة صعوداً ونزولاً, كأنه حين يكتب يتوه في مفازات دربه..!
فكيف لمن يُعلمُّ , وهو يحتاجُ إلى تعلُّمٍ أن يُعلَّم ..؟!
وما مصير خبرةِ المتعلِّمِ وهو يأخذ عنه ..؟!
وقس على المختلف في المجالات, والاختصاصات, بما فيها مناهج البحث, وقرائن التحصيل.
فالنتائج بيِّنة, ومؤسسة التعليم تتحمل الوزر بكلِّه, ثقيله, وخفيفه, جُــلَّه, ودقيقه ..
ولنقس على هذا النموذج بقية التخصصات كلَّ نظير منها, ونظائره, وكلَّ قريب فيها وفصائله, بل نقس ما نقوم بقياسه على الدارسين, ونتجاهل أن نتائج المحصلات ناجمة عن مصادر التحصيل,
إذ مهما قُدِّمت من محاولات لتأهيل المعلمين, والمعلمات, والإداريين, والإداريات, والمشرفين والمشرفات, والباحثين, والباحثات, وتطوير آليات التقويم والتقييم, لكنها تظل محدودة تخصُّ, لا توجِبُ, ولا تعم ..!
والدليل أنها لم تأتِ بمحصلاتها المأمولة الفاعلة, الباصمة حتى الآن كما ينبغي ..!!
فهناك لا يزال للتلقين حضوره, وللشح فراغاته, ولعدم التمكن غثاؤه.
الآن في موكبة التقييم, والمحاسبة, ووضع الحقائق على خريطة التصويب, والاتجاه من السالب نحو التحول إلى الإيجابي في مؤسسات المجتمع, نتطلع إلى مؤسسة التعليم من بَدء حيزٍ مكاني يأوي إليه طفل لم تتكامل حروف العربية بلسانه, إلى من يحمل خطط البحث في يديه,..
أي من التعليم المبكر, والمراحل الأولى, إلى قاعات الجامعات, فما بعد.
أي من تعليم الأبجدية, إلى تحريك المختبرات, والمكتبات, ومراكز البحوث, ومنابر الإنجاز.
إننا نتطلع إلى نقلة نوعية لهذه المؤسسة التي تضطلع بأول المسؤوليات, وأعظم الواجبات, فنقلة جادة, وحازمة, ومدروسة, ومتابَعة تليق بطموحات التحول في جميع أداءاتها, وبجميع عناصرها جدية, وعطاءً, وأخذاً, ومن ثم ثماراً, وإثراءً.