سعد بن عبدالقادر القويعي
تستطيع الصين أن تخترق مواقع الثقل الاقتصادي العالمي، وأن تعزز مكانتها كعملاق دولي باستعراضها لعضلاتها الاقتصادية في الأسواق العالمية، - وبالتالي - فإن العامل الاقتصادي سيكون الحاضر الفاعل، والقوي الأبرز في تأسيس العلاقات بين المملكة العربية السعودية، وجمهورية الصين الشعبية. وفي ضوء هذه الرؤية السياسية - السعودية الصينية - لللعلاقات الثنائية، يمكن القول : بأن الزيارة المرتقبة لفخامة الرئيس الصيني للسعودية، ستكتسب أهمية قصوى من حيث فعالياتها، ومخرجاتها، وبعدها الإستراتيجي التكاملي، والمرتبطة بالجوانب السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والتنموية، وستعبر عن رغبة لتعميق العلاقات التاريخية بينهما في جميع المجالات، بما يخدم المصالح العليا للبلدين الصديقين.
76 عاما تاريخ العلاقات بين السعودية، والصين، هي حصيلة مميزات إيجابية لاتجاه صعودي نحو علاقات أوثق مع الصين، قائمة على الثقة، والاحترام المتبادلين، والمصالح المشتركة، إلى جانب تعزيز مجالات التعاون في مجالات عدة. - وفي نفس الوقت - تفوق بكثير أي خسائر محتملة للبلدين؛ فترسيخ نهج إقامة شراكات استراتيجية مع الدول - ذات الوزن الاستراتيجي المتعاظم - على الصعيد الإقليمي الآسيوي، والعالمي، أصبح خيارا ضروريا؛ - ولذا - فإن توجيه البوصلة السعودية نحو الشرق، ستشكل - بلا شك - قاعدة نحو علاقات دولية استراتيجية.
الاضطرابات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط - منذ عام 2011 م -، جعلت أحد الخيارات الأساسية في توجهات السعودية السياسية الجديدة هي دولة الصين، بعد أن بدأت بالبحث عن شركاء جدد، وحلفاء اقتصاديين، وسياسيين؛ لتبقي خياراتها مفتوحة - دائما - مع جميع الأطراف، - إضافة - إلى تعزيز العلاقات مع العديد من القوى الإقليمية، والعالمية قدر الإمكان؛ فالقيادة السياسية السعودية تدرك أهمية الصين كقوة عملاقة - في الوقت الراهن -، - وبذات الوقت - تدرك الصين أهمية المملكة كمركز ثقل سياسي، واقتصادي في المنظومة العربية، والإسلامية، والشرق أوسطية.
الصين حليف إستراتيجي جديد على مستويات عدة، أهمها : الجانب الاقتصادي، باعتبار أن السعودية هي خيارها الاقتصادي الأول في نواحٍ متعددة، أبرزها : جانب استيراد النفط؛ فالسعودية هي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، والصين هي أكبر مستورد له في العالم؛ مما يعني : أن التعاون بينهما سيحقق مصالح الطرفين المتمثلة في التكامل الاقتصادي، والتنمية المشتركة. كما ستشمل الاستثمارات السعودية الكبيرة في المصافي الصينية، والشركات الصينية المساعدة في تطوير معامل التكرير الخاصة، وحقول الغاز الطبيعي في السعودية.
إن وجود اختلافٍ في وجهتي النظر بين المملكة، والصين حول بعض المواقف السياسية، لا يقلل أبداً من قوة العلاقة بين البلدين، ولا يؤثر عليها بأي حالٍ من الأحوال، إذ في المقابل تتلاقى العلاقات بين الدولتين في كثير من الملفات؛ لعل من أهمها : العمل على دفع عملية السلام في الشرق الأوسط،، ومنها : الدعم الصيني لموقف السعودية من القضية الفلسطينية، ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وترى الصين أنه من الواجب - كذلك - دعم القضية السورية من خلال جهودها المتواصلة؛ لتخفيف الأزمة الإنسانية السورية، ودعم حل الأزمة عن طريق الحلول السلمية، وذلك بعد أن شهد الموقف الصيني من الأزمة السورية - مؤخرا - تراجعا، وإعادة حسابات، وتواصلا مستمرا بين الجانبين؛ لإعادة صيغة العلاقة، وإزالة نقاط اللبس حول الملف السوري. كما ترى الصين أن السعودية تقوم بدور إقليمي محوري، ومهم لحل النزاعات من خلال سياساتها الهادفة إلى تحقيق الاحترام المتبادل للدول الأخرى، وتعزيز مفهوم حسن الجوار.
في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من اختلالات، وصراعات تفتح الأبواب أمام التدخل الأجنبي؛ وحتى ساعة إرسال المقالة، تتحدث أوساط دبلوماسية بأن زيارة - الرئيس الصيني - شي جين بينغ إلى المملكة - خلال الفترة من 19- 20 من الشهر الجاري -، تحمل رسائل سياسية عدة، في طياتها إرساء قواعد جديدة للوفاق الإقليمي، والدولي؛ لتأمين استقرار هذه المنطقة الحيوية من العالم؛ من أجل الحفاظ على أمنها، بعيدا عن الاستقطاب الأحادي العالمي، أو محاولات الهيمنة الإقليمية، - خصوصا - وأن العالم - اليوم - يشهد جملة من التغير في خرائط الوفاق، والمصالح.