فاطمة حماد البلوي
تنفق حكومتنا الرشيدة ميزانية سنوية ضخمة على القطاع التعليمي بتوفير المدارس والمعلمين وتطوير المناهج الدراسية ودعم البحث العلمي والدورات التدريبية. وبعد أن أصبح اكتساب اللغة العالمية الأولى وإتقان مهارة استخدامها متطلبا رئيسيا في عصر العولمة والتقنية الحديثة. أصبحت وزارة التعليم تبذل جهودا جبارة لتحسين عملية تدريس وتعلم اللغة الإنجليزية ولإيجاد حلول لمشكلة ضعف الطلاب السعوديين في اللغة الإنجليزية. مدركين أنها نافذة تمكن الطالب من الاطلاع والمعرفة في مختلف العلوم. يأتي هذا ضمن عدة محاولات استراتيجية لمواكبة الركب الحضاري والتكنولوجي ولتطوير التعليم وتزويد الطالب السعودي بالمهارات الضرورية المتزامنة مع متطلبات المرحلة الحالية وعلى الرغم من التخطيط الجيد والكتب المدرسية الملائمة والمعلمين المؤهلين والإدارة الفعالة إلا أن المخرجات غير فعالة ولا تركز على تنمية المهارات التي يحتاج إليها الطالب. فلا يزال مستوى اللغة لخريج المرحلة الثانوية في السعودية غير كاف وأقل من المتوقع ولا تزال هناك حواجز وعقبات كثيرة تعيق تحقيق أهداف الطالب والمعلم. وتضع الطالب في حالة من الإحباط لفترات زمنية طويلة أو قصيرة أو أبدية.
وجود هذه الحواجز والعقبات أمر طبيعي جدا في التعليم ولكن البحث والوعي بأسبابها وإيجاد الحلول الممكنة هو الطريق الأمثل لمساعدة معلمي اللغة في التقليل من تأثيرها أو إزالتها. فأسباب هذه الحواجز أبعد من أن تكون مجرد طرق تدريس غير فعالة أو معلم غير متفان أو خطط منهجية ضعيفة أو إهمال من قبل الطالب. أسبابها قد تكون سمات فردية شخصية أو عوامل نفسية أو ثقافية أو اجتماعية لها جذور تبدأ في سن مبكرة وتستمر في إحباط الطالب خلال المراحل التعليمية المختلفة.
تحدثت في مقال سابق عن علاقة عقلية الطالب اللغوية بمستوى الإحباط والتحفيز في تعلم اللغة.
جدير بالذكر أن الطالب الذي يحمل عقلية لغوية نامية تؤمن بفاعلية بذل المجهود الذاتي والمثابرة أيضا معرض للشعور بالإحباط والعجز وليس محصنا بالكامل. فمهما كانت درجة وعي الطالب بأهمية وفائدة تعلم اللغة الإنجليزية كأداة تسهل عليه تعليمه الجامعي في مختلف التخصصات وكعامل مهم لتأمين مستقبل وظيفي أفضل، قد يصاب بالإحباط إذا واجه عقبات متتالية وعجز عن تطبيق أدوات واستراتيجيات ناجحة وفعالة للتعامل مع هذه العقبات وتجاوزها.
بناء على تجربتي الشخصية كطالبة لغة إنجليزية في المدارس الحكومية وكمعلمة للغة الإنجليزية في الجامعة وكباحثة في مجال التحفيز والإحباط في تعلم اللغة الإنجليزية، سأطرح هنا بعض الأسباب التي قد تعيق النجاح في تدريس وتعلم اللغة الإنجليزية وتدفع الطالب إلى الشعور بالإحباط.
أحد أهم العوامل التي تجعل من تعلم اللغة الإنجليزية أمرا شاقا هو أن تدريسها كمادة أساسية لا يبدأ في سن مبكرة ويتأخر حتى مرور سنوات طويلة للطالب في المدرسة مما يؤثر سلبيا على الاستعداد النفسي والذهني والإرادة لدى الطالب. خلال السنوات السابقة لتعلم اللغة الإنجليزية يكون بعض الطلاب صورة مسبقة خاطئة وسلبية في أذهانهم عن اللغة الإنجليزية وصعوبتها ويطلقون أحكاما خاطئة معتمدين على آراء من سبقوهم من إخوة أو أقارب أو أصدقاء. هذه الصورة الخاطئة تجعلهم يتخذون موقفا عدائيا وينظرون نظرة قاتمة يملأها الخوف والتردد والإحساس بالعجز تجاه تعلم اللغة.
أيضا يصاب طلاب اللغة بالإحباط حينما يجدون أن الهدف من تدريس اللغة الإنجليزية في الفصول ينحصر فقط على دراستها كمادة في الصف والنجاح في امتحاناتها، بينما تحلق أهدافهم وطموحاتهم وتوقعاتهم حيال تعلم اللغة الإنجليزية إلى خارج هذا النطاق. فهم يرغبون في تطوير حقيقي لمهاراتهم يساعدهم على تحدث اللغة بطلاقة واستخدامها للتواصل في العالم الواقعي في أماكن ومواقف مختلفة. ولكنهم يصدمون بالواقع في المدارس الحكومية الذي لا يواكب طموحهم عندما لا يتحدثون ولا يستمعون إلى اللغة الإنجليزية بشكل كاف في حياتهم اليومية لا داخل المدرسة ولا خارجها وبالتالي تصبح حصيلتهم اللغوية ضئيلة جدا مما يؤدي إلى تفاقم شعورهم بالكراهية تجاه دراسة اللغة الإنجليزية.
تعتبر أيضا طريقة التقييم الرسمية والسياسات المعتمدة من قبل وزارة التعليم في السعودية عامل رئيسي آخر في ضعف مخرجات تعليم اللغة الإنجليزية والتقليل من المستوى التحفيزي للطلاب. فالامتحانات لها قالب ثابت ومتوقع يشجع الطالب والمعلم على إهمال تطوير مهارات اللغة. لأن الطالب يكون على بينة أن الاختبار يعتمد على حفظ بعض الكلمات وحفظ نصوص أو مقالات تعبيرية بدون فهم للمحتوى. تعتمد أيضا هذه الامتحانات على كثير من القواعد النحوية وتتجاهل تماما أهمية مهارة التحدث والاستماع. هذه الطريقة في التقييم تدفع الطالب إلى التركيز على التحصيل والعلامات والنجاح في اختبار المادة وتجاهل التطوير الفعلي للمهارات اللغوية.
تجتمع هذه الظروف وتساهم في تثبيط روح المثابرة عند الطالب مع مرور الأيام. وتعزز عند الطالب اعتقادا خاطئا بأن ارتفاع مستوى اللغة وتطويرها والتحدث بطلاقة لن يتحقق داخل الفصول الدراسية بل يحتاج إلى السفر أو الإقامة في الخارج، بدلا من التفكير في تطوير مهاراتهم عن طريق مصادر أخرى خارج الفصل الدراسي أو القيام بأي جهد ذاتي لمواصلة تعلم اللغة الإنجليزية بنجاح.
خلفية الطالب الأسرية أيضا تلعب دورا حيويا في إحباط أو تحفيز تعلم اللغة الإنجليزية. فالطالب الذي ينشأ في أسرة تشجعه منذ الصغر على تطوير مهاراته اللغوية وتذكره دائما بأهمية تعلم لغات أخرى يختلف تماما عن ذلك الذي ينشأ في أسرة لا ترى أي فائدة من تعلم اللغة الإنجليزية ولا تعيرها أي اهتمام. لا تزال هناك بعض الأسر في السعودية ذات خلفية تعليمية متواضعة. هذه الأسر تعتقد أن الطفل يجب أن يفتخر بلغته العربية (لغة القرآن) وأن تعلم لغات أخرى قد يؤثر سلبيا على هويته الثقافية أو الدينية فلا تحفز الأطفال ولا تؤهلهم نفسيا للتجربة الشيقة التي سيخوضونها عند تعلم اللغة الإنجليزية. بل إن بعض الأسر ينهرون أطفالهم إذا أظهروا حبهم لتعلم اللغة أو حاولوا التحدث بها في المنزل. مما يساهم في تفاقم المشكلة ودفع الطالب إلى إبداء نسبة أقل من الاستعداد والرغبة في تعلمها وشعوره بأنها ليست ذات أولوية مهمة في مشواره الأكاديمي.
بعض الأسر أيضا تترك للمعلم المسؤولية كاملة في تحفيز وتوجيه وتعليم الطالب ويرفضون إلقاء اللوم على أبنائهم إذا لم يبذلوا الجهد الكافي للنجاح، متجاهلين أن اللغة الإنجليزية تحديدا تحتاج إلى جهد إضافي من الطالب في المنزل وأن الدراسة لمدة ساعة واحدة في المدرسة لا تكفي لتطوير مهاراته اللغوية.
ومن هنا تبرز أهمية الدور الجوهري للمعلم في إحباط وتحفيز الطلاب ويبرز حجم المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق معلم اللغة الإنجليزية. لا يمكن إنكار حقيقة أن تدريس اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها هي مهمة صعبة بشكل عام ويمكن أن تصبح أكثر صعوبة في سياق نظام التعليم في السعودية نظرا لأن تدريسها لا يبدأ كمنهج رئيسي على مستوى المدارس الحكومية في سن مبكرة كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى. فهل يتم تأهيل معلمي اللغة الإنجليزية في السعودية لتحمل هذه المسؤولية الصعبة؟
عندما يمارس المعلم تدريس اللغة الإنجليزية بدون أي تدريب أو إعداد مسبق فإنه يمارس أساليب التدريس التقليدية التي مارسها معلموه في المدرسة التي تعتمد على تلقين الكلمات وحفظ معانيها بالإضافة إلى القواعد النحوية متجاهلين أهمية تطوير المهارات الأخرى كالاستماع والقراءة والكتابة والتحدث. والمثير للاهتمام أن معظمهم لا يهتم بتطوير نفسه أو حضور دورات تدريبية في تدريس اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أو الاطلاع على الأبحاث والمستجدات في طرق التدريس. فبعضهم ينظر إلى مهنة تدريس اللغة على أنها مصدر لكسب الرزق وليس كمهنة نبيلة تحتاج كثيرا من الالتزام والصبر والتفاني والإخلاص لمساعدة الطالب على تجاوز الصعوبات وتحقيق أهدافه المستقبلية بواسطة التفكير جدياً في أساليب تعليمية جديدة وشيقة.
عند تعيين مدرسي اللغة في السعودية، يؤدي اتباع أساليب غير منهجية في النظر في مؤهلات المتقدمين لتدريس اللغة إلى تعيين معلمين لديهم طلاقة في اللغة الإنجليزية لكنهم يفتقرون إلى الكفاءة والمهارة في تعليمها أو معلمين يحملون مؤهلات عالية ويفتقرون إلا الطلاقة في التحدث بها. عدد كبير من معلمي اللغة الإنجليزية السعوديين والجامعيين ليس لديهم تدريب إجباري قبل تعيينهم أو بعده. فتعيين معلم اللغة الإنجليزية واختياره يتم على أساس مؤهلاته العلمية كبكالوريوس اللغويات أو الأدب الإنجليزي أو الترجمة دون الأخذ بعين الاعتبار مستوى كفاءته المهنية. فينقسم معلمو اللغة إلى قسمين: معلم عن طريق الصدفة أو معلم عن طريق الاختيار.
أحد السلوكيات الخاطئة التي يمارسها غالبية معلمي اللغة الإنجليزية تكمن في أنهم يشغلون نسبة كبيرة من وقت الحصة في التحدث والشرح والتلقين ولا يتيحون الفرصة للطالب بالمشاركة وطرح الأسئلة والتحدث داخل الفصل متسببين في خمول وصمت الطالب فيقل حماسه ويشعر بالملل ويتحول إلى مستمع سلبي بدلا من مشارك نشط وفعال في أنشطة ثنائية أو جماعية. مما يعيق إتقان المهارات اللغوية التي تحتاج إلى الممارسة اليومية (كالتحدث والاستماع) ويقلل من مخرجات التعليم.
ويعزو معلم اللغة الإنجليزية تلك السلوكيات الخاطئة لأسباب كثيرة كضيق الوقت وإجبارهم على إعطاء أكبر قدر من المعلومات لتغطية المنهج بحلول نهاية العام، وإلى عدد الطلاب الكبير في الفصل الواحد وقلة عدد الحصص الدراسية وعدم وجود الحافز وأسباب عديدة أخرى. كل تلك العوامل تعيق المعلم من إشراك الطلاب في مناقشة أو تدريبه على التحدث أو حتى ملاحظة الفروق الفردية بين طلابه والصعوبات المختلفة التي تواجههم.
لا بد من رفع مستوى وعي مدرس اللغة الإنجليزية بأن دوره لا يقتصر على إيصال المعلومة وتجهيز الطالب للامتحان فقط. بل يمتد هذا الدور إلى تحفيز الطالب وتعزيز عقلية لغوية نامية تقدر بذل الجهد والمثابرة وتطوير الذات وإلى التعامل بحذر مع العوامل النفسية المختلفة التي قد توثر على الطالب عند التحدث باللغة الإنجليزية كالقلق والتوتر والخجل. حيث يمكن للمعلم التلاعب بهذه القوى العاطفية وجعلها مصدرا لتحفيز الطالب بدلا من إحباطه. ويمكنه أيضا أن يعلم الطلاب آليات تكيف وتأقلم مختلفة تزيد من قدرتهم على توظيف هذه العواطف لتعزيز مرونتهم وقدرتهم على الصمود ومواجهة العراقيل والعقبات وتقبل الفشل والانتقاد ومتابعة عملية تعليمية ناجحة مهما كانت الظروف. وهذا يعني مزيداً من الوعي بالفروق الفردية واستخدام هذا الوعي في مناقشة تغيير المعتقدات اللغوية الخاطئة حيال تعلم اللغة مع الطلاب بوضوح. بالإضافة إلى مناقشة استراتيجياتهم الفردية وتوجيههم للطرق الفعالة لتطوير مهاراتهم.
يحمل أيضا بعض المعلمين عقلية لغوية ثابتة في تعلم اللغة ويصنفون طلابهم حسب درجاتهم في الامتحان إلى طالب متفوق وطالب ضعيف معتقدين أن الطالب المتفوق موهوب ومتميز ولديه مهارات لغوية عالية بالفطرة وأن الطالب الضعيف يفتقر إلى هذه الموهبة. وهناك بعض أشكال ردود الفعل كالتشجيع والثناء والنقد التي قد تتضمن رسائل ضمنية تشكل وتعزز عقلية ثابتة لدى الطلاب. والأمثلة على ذلك كثيرة منها التركيز على الطالب المتميز والإطراء عليه ووصفه بالذكاء من حين لآخر مع تجاهل الطالب الضعيف وعدم تحفيزه لبذل مجهود أكبر، تجاهل أهمية المتابعة والتقييم المستمر لحالة الطالب، وعدم تسليط الضوء على التقدم الذي يحرزه الطالب الضعيف لتحفيزه وزيادة ثقته بنفسه ودفعه للوصول إلى أهدافه. وفي أسوأ الحالات يلجأ معلم اللغة إلى استخدام أسلوب النقد غير البناء عند التعامل مع الطالب الضعيف كالاستهزاء بقدراته ومجهوده ووصفه بصفات غير لائقة قد تؤدي إلى إحباطه بل وإلى تحطيم كل طموحاته وكرهه لتعلم اللغة الإنجليزية.
من هنا أيضا تبرز أهمية تعزيز عقلية لغوية نامية وخلق بيئة تعليمية إيجابية لضمان تحسن فعلي في مستوى الطلاب. تحقيق هذا الهدف يتطلب من المعلم دراسة متأنية للرسائل الضمنية التي يوجهها لطلابه سواء عند مناقشة انجازاتهم أو إخفاقاتهم داخل الفصل، بالإضافة إلى تركيز ردود الفعل من مديح وانتقاد على جهود الطلاب بدلا من مستوى ذكائهم، وعلى التعلم بدلا من الدرجات، وعلى المعتقدات اللغوية حول تطوير القدرات من خلال العمل الجاد.
إذاً نحن أمام تحديات كثيرة لا يمكن مواجهتها إلا بتكاتف الجهود المبذولة من الأسرة والمعلم والطالب والمؤسسات التعليمية وبإعادة النظر في مناهج اللغة الإنجليزية وتطوير طرق تدريسها وبتغيير المعتقدات الخاطئة التي تعيق عملية تعلم اللغة وتزيد من نسبة الإحباط بين الطلاب.