اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والتكتل الإسلامي لمحاربة الإرهاب رغم أنه يستمد شرعيته من أهدافه والأعضاء المؤسسين له، وما يستند إليه من شرعية دولية وإسلامية تنطلق من قاعدة التعاون المشترك ضد العدو المشترك، فإنه لم يتشكل في ظروف عادية، وإنما فرضته الضرورة، وصنعته الأحداث التي تلاقى فيها إرهاب تنظيم الدولة التكفيري مع إرهاب أنظمة وتنظيمات طائفية ترعاها دول لها مصلحة من وجود الإرهاب، هذا الإرهاب الذي أرادت أدواته، أو أُريد له من قِبَل رعاته أن ينتمي إلى الإسلام السني وأن تكون الدول الإسلامية هي المستهدفة أكثر من غيرها، الأمر الذي حتَّم على هذه الدول أن تواجهه فكرياً وعسكرياً للحد من تداعياته والسيطرة على نتائجه ومآلاته مع نفي التهم وإزالة الشك والوهم، نظراً لما يقع عليها من مسؤوليات تجاه دينها وشعوبها وأوطانها.
وترتيباً على ذلك فإنَّ خيار إنشاء تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب، كان خياراً حتمياً لا مناص من اتخاذه، وهذا التحالف يتعيّن أن تنطلق حربه على الإرهاب بشقيها العسكري والفكري من منطلقات تؤسس لنجاح التحالف في تحقيق أهدافه وإنجاز مهامه، وهذه المنطلقات يأتي في مقدمتها نفي التهمة عن الإسلام وتصويب المفاهيم عند غير المسلمين بشأنه، بما في ذلك توضيح موقف الإسلام من الإرهاب وحرمة النفس البشرية والضرورات الخمس التي ركزت عليها مقاصد الشريعة الإسلامية مع التأكيد على نبذ الطائفية وتعرية كل مَنْ يدعو إليها متخذاً منها غطاءً لبلوغ أهداف سياسية على حساب الإسلام الذي يحارب التعصب ضد الأديان الأخرى، وينأى بالمسلمين عن جعل الاختلاف الديني وتعدُّد المذاهب والنحل والملل ذريعة للخصومة والاقتتال، وكل من عاش بين ظهراني المسلمين يعترف بهذه الحقيقة النابعة من العدالة الإسلامية التي ترفض نزعة الإقصاء والتهميش وتحارب الطائفية لقطع دابر الخصومة والتناحر ودرء الفتن ضمن بيئة صحية يسودها العدل الاجتماعي والمعاملة الحسنة، والأخطاء التي يقع فيها المسلمون والنقائص المتجذرة في المجتمعات الإسلامية لا يمت أي منها للإسلام بصلة وإنما هي من صنع البشر ولا ذنب للإسلام فيها، كيف لا ودين الإسلام هو خاتم الأديان، وبفضله ارتفع قدر الإِنسان، وجعل الأمة الإسلامية أمة وسطاً، وطلب منها الشهادة على غيرها، وشهد لها بأنها خير أمة أُخرجت للناس، وفي كل ديانة غلاتها، وفي كل أمة غواتها، ورغم أن الإرهاب ليس له دين ولا وطن، فإنَّ الغوغاء والرعاع المفلسة، ومرضى الطباع المسيّسة، يستهويها السير خلف كل ناعق، مبتعدة عن الهدى ومنزلقة في الردى.
ومحاربة الإرهاب في بعدها الفكري تقتضي أن تتخذ مسارين متوازيين، يهتم أحدهما بنفي تهمة الإرهاب عن المسلمين وحصر الممارسات الإرهابية في إطارها الفردي وحالاتها الخاصة، وعدم تعميمها على المسلمين أو نسبتها إلى الإسلام، في حين ينصب المسار الثاني على الإصلاح الداخلي ونشر الوعي المجتمعي، وكل ما من شأنه تحصين المجتمع في كل دولة من دول التحالف ضد الإرهاب، وهذا التحصين لن يتحقق إلا بالتوافق الاجتماعي والانتماء الوطني، والتفاعل مع المجتمع، في بيئة تسودها العدالة الاجتماعية، وينعم فيها المواطن بالاستقرار النفسي، بالشكل الذي يكتسب معه المجتمع مناعة تحميه من مظاهر الغلو، وتقيه من الفتن الداخلية، وتوصد الباب في وجه العوامل الجاذبة إلى العنف والتطرف.
وحتى يأخذ البعد الفكري مكانه الصحيح على هيئة مشروع إسلامي معتدل، لا بُدَّ من اكتمال دائرته الثقافية والاجتماعية، لمواجهة أي مشروع خارجي عن طريق مقارعة الحجة بالحجة، والتوفيق بين مرجعية العقل والنقل، واعتماد أسلوب المثاقفة نهجاً في التعايش والحوار مع الآخرين، بعيداً عن الصدام والإقصاء، وما يترتب عليهما من النزاعات الطائفية وتنامي الكراهية، الأمر الذي يستدعي تعضيد ذلك بإعلام فاعل ينطلق من سياسة فاعلة، تعرف ما لها وما عليها، نحو تبنيّ ثقافة الاعتدال والوسطية، والوقوف في وجه الغلو والتطرف، لقطع الطريق على كل من تسول له نفسه، القدح في الإسلام، واتهامه بما ليس فيه، وفي الوقت نفسه ينبغي على الإعلام أن يدافع عن عقيدة الأمة، ويرفض المساومة عليها مع الحرص على أداء الرسالة الإصلاحية التي من شأنها بناء المجتمع على أسس سليمة، تنأى به عن عنف الإفراط وضياع التفريط.
ومحاربة الإرهاب تحتاج إلى إجراءات سياسية واقتصادية وعسكرية استثنائية، تتفق مع طبيعة الإرهاب والأساليب التي يتبعها الإرهابيون، مما يستدعي من دول التحالف الإسلامي أن تتعامل مع التنظيمات الإرهابية بصورة تفضي إلى تعرية حالها، وتجريم أفعالها، وبالتالي عزلها عن الأنظمة التي ترعاها وحرمانها من رصيدها البشري وتجفيف منابع تمويلها، وهذه الأساليب والوسائل الناعمة، وما يكتنفها من نشاطات أمنية وجهود استخباراتية، قد تحول دون العمل العسكري وأحياناً تمهد له ويأتي مكملاً لها، وبالإضافة إلى تنظيم الدولة الإرهابي فهناك أنظمة وتنظيمات تمارس الإرهاب منذ زمن بعيد، ولها باع طويل في ميدان الممارسة الإرهابية، وينطبق عليها تعريف الإرهاب وتتوافر فيها شروطه، وهذه الأنظمة والتنظيمات هي النظام النصيري في سوريا، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحركة الحوثية في اليمن، وطالبان في باكستان، وحزب العمال الكردستاني في تركيا، وبوكو حرام في نيجيريا وتنظيم القاعدة في عدد من الدول الإسلامية في آسيا وأفريقيا.
والواقع أن الحرب على الإرهاب فُرضت فرضاً على المسلمين، وأصبح لا خيار أمامهم الا التحالف لمواجهتها بعدما استبان للجميع تضاؤل فرص تجنبها، حيث إنها نحت منحى خطيراً، ربطت فيه بين الإرهاب وبين عقيدة الأمة التي هي أعز ما تملك، ولن تتردد في أن تخوض الحرب من أجلها، زد على ذلك فإنَّ مكافحة الإرهاب التي ركب موجتها من هب ودب جعلت من الأوطان الإسلامية مسرحاً لها بسبب العدو المصنوع والإرهاب المزروع، وبدلاً من استهداف التنظيمات الإرهابية صار المستهدف هو كل من ينتمي إلى الإسلام السني، وكأن العدو المراد غير العدو المعلن، ومما زاد الأمر خطورة وتعقيداً أن ثمة دولاً ترعى الإرهاب لها دوافع طائفية، ومطامع جيوسياسية تنبع من عداء تاريخي وأحقاد قديمة، يغذيها شحن طائفي وتعصب عنصري مع نزعة شعوبية.
ومهما تسربلت الحرب المعلنة في سربال الإرهاب، فإنها أخذت طابعاً عدائياً ضد الإسلام، يقف خلفه النظام الباطني الصفوي، والكيان الإسرائيلي والقوى المتحالفة معهما، وإذا ما عمد هؤلاء القوم إلى أدلجة الصراع عبر الطائفية والقومية الدينية، وجعلوا من ذلك سلاحاً يستخدمونه في الهجوم على المسلمين، فما الذي يمنع المسلمين من الرد بالمثل واستخدام السلاح نفسه في الدفاع.
والمرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية والمخاطر التي تحدق بها، تشكل اختباراً صعباً لقدرتها على مواجهة التهديدات الماثلة والتحديات الحاصلة، والتحالف يجعلها قوة ذات مصداقية، تستطيع دحر الإرهاب وتضييق الخناق عليه عبر استراتيجية تستند إلى سياسة مدعّمة بوحدة الهدف، وذات مصلحة مشتركة، تفرض على المتحالفين علاقة تعاقدية يتعهد بموجبها الأعضاء أن يتبادلوا التعاون ويبذلوا الجهود عسكرياً وفكرياً واقتصادياً وسياسيا لتحقيق الهدف المنشود واعتبار ذلك قضية توافق واتفاق.
وعلى هذا الأساس فإنَّ مواجهة الخطر المشترك كان هو الدافع وراء إقامة تحالف إسلامي، حيث فرض ذلك على دول التحالف أن تتبنّى استراتيجية شاملة تنبثق عن سياسة موحدة تشترك جميع الدول الأعضاء في رسمها، بعيداً عن أية تناقضات أو حساسيات تتسبب فيها مصالح ذاتية لدولة دون أخرى، إِذْ إن التحالف الطوعي إزاء العدو المشترك ينم عن قناعة لا يتسرب إليها الشك لديّ الأطراف المتحالفة بشأن الجدوى المنتظرة من التحالف والمردود المترتب عليه، وهو القدرة على ردع العدوان بغير القتال المسلح وتوجيه ضربات استباقية إلى الخلايا الإرهابية وإبطال مفعول إرهابها قبل أن يقع.
والأمن الشامل للدول الإسلامية الذي ينشده التحالف لضمان المصالح العليا لأعضائه لن يتحقق إلا عن طريق الحفاظ على مستوى التنمية التي تنعكس على درجة الاستقرار السياسي والاجتماعي، علاوة على بلوغ درجة من التنسيق السياسي والخروج برؤية سياسية واحدة يتم الاتفاق بموجبها على الحد المقبول من الاستراتيجية الشاملة لدول التحالف والقدرة على مواجهة التهديدات الإرهابية بشقيها العسكري والسياسي التي تتعرض لها أي دولة من الدول المتحالفة.
ونظراً لأن دول التحالف تدرك أن من أراد لمبناه أن يكون عالياً لا مندوحة أمامه من أن يقوّي أساسه، وانطلاقاً من هذه القاعدة فإنَّ مسؤولية مكافحة الإرهاب التي صح العزم من دول التحالف مجتمعة على مشاطرة المجتمع الدولي في الاضطلاع بها، لا تنفك عن المسؤولية المنفردة لكل دولة على حدة تجاه أمنها الوطني والدفاع عن سيادتها والجهوزية النسبية لمساندة غيرها، متخذة من ذلك أرضية صلبة تتحرك منها نحو المشاركة الجماعية إذا ما تطلب الأمر مساندة أي عضو من أعضاء التحالف، حيث إن الدور الكلي للدول الأعضاء يعد امتداداً للدور الجزئي لكل دولة وليس بديلاً عن هذا الدور، وإنما يُبنى عليه ويُعززه، باعتبار التحالف يمثل عملاً تكاملياً بين الدول الأعضاء يضيف إلى قوة كل منها قوة إضافية تمّكنها من مواجهة التهديدات التي تهدد أمنها وتنال من استقرارها، بفضل ما يلقاه كل عضو من مساندة إضافية، ومراقبة خارجية، يوفرهما له التحالف، على النحو الذي يدعم قوته الذاتية ويعزز أمنه الداخلي.