أ. د.عثمان بن صالح العامر
الصراع بين البشرية حتمية إلهية قطعية، بدأت منذ الميلاد الأول لبني آدم وستظل حتى قيام الساعة، تعلو حدة الصراع تارة وتخفت أخرى حسب معطيات وأسباب لا حصر لها ولا عد وليس المجال هنا مجال الحديث عنها أو التعريج عليها، ونحن اليوم في البلاد العربية عموماً، خاصة منطقة الخليج، وعلى وجه أخص بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية نواجه سيلاً من التحديات لا تخفى، نخوض معارك عقدية وفكرية وسياسية وعسكرية واقتصادية متعددة المستويات ومتنوعة الصور والأشكال، وإذا كان لازماً من الاستعداد الحقيقي لمبارزة العدو ومنازلته في كل الميادين وعلى جميع الأصعدة والجهات والجبهات، فإن من الواجب أيضا إعادة ترتيب البيت من الداخل وتحصينه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ومن أهم أبواب التحصين ونوافذه معرفة النعم التي نرفل فيها وننعم بها في هذه البلاد المباركة، والاعتراف بفضل الله فيها علينا نحن أهل هذه الديار وقاطنيها، ومن ثم شكر المنعم جلا شأنه عليها بالقلب واللسان والفعال. ليس هذا فحسب بل لابد من الأخذ على يد السفيه وعدم تركه يخرق سفينة المجتمع فنهلك جميعاً، وهذه ليست مسئولية المؤسسات الرسمية الأمنية والاحتسابية والرقابية والتشريعية والشورية فحسب بل مسئوليتنا جميعا حسب الاستطاعة (اليد، اللسان، القلب)، وكل يجتهد في محيطه ودائرته التي هو راع فيها ومسئول، ومن هذا الباب وحرصاً على وقاية المجتمع من ويلات «كفر النعم « التي يرفل بها الصغير والكبير الذكر والأنثى وفيها نتقلب،ضجت شريحة عريضة من عوام الناس قبل العلماء والمثقفين والرموز وأهل الحل والعقد مستنكرة ورافضة ومستهجنة تلك التصرفات المشينة التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي فهزت الوجدان وبعثت الحزن في النفس التواقة للسلامة والطامحة لاستمرار النعم وبقاء الأمن والآمان في ربوع الوطن المعطاء، فهي وإن كانت من آحاد الناس ولا تمثل إلا من قارفها إلا أنها تنسب لنا جميعاً والعقاب حين يحل سيشمل الكل كما هو معلوم نصاً وواقعا.
إن طلب الشهرة ولفت الانتباه بأي ثمن «نحن هنا»، والتباري والتنافس في مضمار « المهايط» الذي لا نهاية له، والبحث عن الذات الضائعة، وتعويض النقص المتلبس به من أخصم قدميه حتى مفرق رأسه، والتعطش للرمزية المزورة، وعدم الاكثرات بالمألات أو ربما الجهل بها وغياب التفكير فيها لحظة نشوة الفخر والاعتزاز بالنرجسية الفردية تحت مسمى الكرم أو الشيخة أو التفاخر والتكاثر وصولاً لموسوعة جينيس للأرقام القياسية و... أقول إن هذه الأسباب أو بعض منها تقف خلف تلك المشاهد التي تصنف في خانة الإسراف وكفران النعم، المهدد الرئيس لزوال ما نحن فيه من خير يوماً ما لا سمح الله.
واجب علينا أن نقرأ التاريخ فنتعبر، ونتامل ونتدبر في صفحات الحاضر «سوريا والعراق واليمن و...» فنتعظ، فنحن خلق من خلق الله تجري علينا سننه كغيرنا في هذه الدنيا، والنعم متى كُفرت ولم نرعاها حق رعايتها فرت وإن هي رحلت فليس سهلاً أن تعود كما كانت .
لقد سطرت أعمال جليلة تبرز الوجه الأخر في المجتمع من شكر وتقدير للخير الذي نحن فيه، وكذا دُونت مقالات جميلة ترد وتردع أمثال هؤلاء المجاهرين بالإسراف والتبذير الكافرين بالنعم وإن هم جهلوا ذلك أو لم يتعرفوا به، وتأسست في ربوع هذه البلاد المباركة جمعيات خيرية ذات مساس مباشر بهذا الأمر (الجمعية الخيرية للطعام «إطعام» وجمعية حفظ النعمة ...) وهذه فضلاً عن دورها الرائد والمتميز في أخذ باقي الطعام وحفظه بطريقة متقنة وتحت أيدي خبراء مختصين ومن ثم إعطائه الفقراء والمحتاجين، لها دور مباشر في التوعية والتوجيه والتذكير بعظم النعم التي منّ الله بها علينا وواجب المحافظة عليها ورعايتها وعدم التهاون بشأنها والتساهل في واجب الاقتصاد فيها، وحق هذه الكيانات التي تعتبر خط الدفاع الأول في سيرنا نحو منطقة « قواما» التي جاء الأمر بها من الرب سبحانه وتعالى الدعم المادي والمعنوي، والتعاون والتواصل معها، والدعاء للعاملين فيها والقائمين عليها، حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذل أعداءنا، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.