كوثر الأربش
لأنني أحب طريقة النموذج في نشر رسائلي، في صناعة التغيير. لأنني أحب التجريب وتحليل ردود الأفعال الاجتماعية، لأن الواقع والمُعيش مادة غنية للدراسة. قُمت بإعادة تغريدة لشخصية شهيرة في تويتر. وأعلم سلفًا أن لي متابعين كثيرين، معارضين أو كارهين لمنهجه، أعدت التغريدة وجلستُ أنتظر!
دقائق قليلة فقط حتى دخل أحد متابعيني عبر الرسائل المباشرة:
- أختي الغالية أستاذة كوثر
- مرحبًا بك
- بتقولي ليش عاملة رتويت لفلان.. صحيح؟
- أقسم بالله أنك ذكية بكل معنى الكلمة!
بالطبع لا يحق لي ولا لغيري، أن يتدخل في حسابك الشخصي أو أي كلام تقولينه ولكن كواحد من المعجبين بفكرك وقلمك استغربت إعادة تغريدة هذا الإِنسان! وأنتِ تعرفين أن المسألة الآن حرب تيارات، بين التنويرين والمتأسلمين، وهذا قد ينفر منك بعض زملائك، بالرغم من أني متأكَّد أنك لا يهمك من قال الكلام، بل يهمك الكلام نفسه. وأخيرًا، أرجو ألا يكون كلامي ضايقك فوالله ما قلته إلا لحرصي عليك.
- ثق تمامًا، حينما أقوم بشيء، فإني أعنيه، وأريد إيصال رسالة.
- واثق تمامًا، لكني لا أريدك أن تخسرين علاقاتك ببعض زملائك الكتاب..
- لا استجيب لمن يريدني نسخة منه، لي منهجي
- المسألة يا أختي العزيزة ليست نسخة أبدًا، لا أحد يريدك نسخة منه، لكنها فقط حرب تيارات..
- وأنا لا أتبع تيارًا!
- أعرف، أنتِ لا تتبعين سوى ما يراه عقلك صحيحًا، لكن هذا الوقت بالذات، أصبحت المسألة حرب بين «التنويريين» والأصوليين. وأنتِ محسوبة شئتِ أو أبيتِ على التيار التنويري الليبرالي..
- جميل جدًا، أليست الليبرالية قبول الآخر، تعدد الرأي، الإيمان بحرية الخيارات؟ إذا كان هناك ليبرالي، سيحسبني لصالح المتأسلمين «على حد قولك» لأنني أعدت تغريدة أحد المحسوبين عليهم، فهذا ليس ليبراليًا، هذا «متلبرل»! الليبرالية أثقل من أن يحملها متطرف، ومنحاز، وإقصائي. لهذا لا انتمي لتيار، لأنه للأسف، الليبرالية العربية ما زالت تحبو وتتعثر، تحاول أن تخرج من إسبقياتها الاجتماعية. ثم إنني وبعد هذا كله، ضد الشلليات الثقافية، ولم يكن لي يومًا فئة بذاتها أخشى من خسارة مكتسباتي الاجتماعية والثقافية معها. أطمح لتمثيل منهج خاص، منهج الاعتدال الحقيقي، دون قطيعة ثقافية، دون إقصاء لمن نعارضهم.
- أعرف ذلك تمامًا، لكن أخشى فقط أن تخسري زملائك ومحبيك..
- تعرف مقولة: « أنظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال؟
- ومؤمن بها تمامًا.. أنا فقط أخاف ممن لا يفهمك، أخاف أن تخسري ولو شيئًا بسيطًا..
- مقولة ابن حزم، الذي غرد بها هذا الشخص الذي لا تحبه، ما رأيك بها؟
- أعجبتني، واستغربت أن يغرد بها هو تحديدًا، وبدون مبالغة أول مرة يعجبني شيء يقوله هذا الإِنسان، لكن لردائة منهجه، لا استطيع الإشادة بها..
- أنت لا تستطيع، لأنك لا تفصل بين المقولة والقائل. وهذا ليس شأنك أنت فقط، محسوبون على الاعتدال، يفعلون ذلك، ويهاجموني في قروبات الواتساب وفي حساباتهم الشخصية لأني لا أمارس قطيعة ثقافية ضد أحد، لأني لا أحب الشللية، لأنني لا أخوض حروبهم الخاصة، يعتبرونها خذلانًا، واصطفافًا مع أضدادهم.
- والله يا أستاذتي أني استطيع، لكني من كرهي لهذا الشخص لن أمدحه في شيء..
- وهذا خطأ. لا يفترض بنا أن نمحض الآخرين (خيرًا أو شرًا)، إذا كرهنا فإننا نجردهم من كل فضيلة، شيطنتهم تمامًا. حصل هذا معي، حين أغرد بمقالات كتاب محسوبين على تيارات معينة، أو أعيد تغريدة شخصيات شهيرة، لأن محتوى التغريدة جيد ونافع، المحبون والناصحون الذين أثق بنواياهم ـ مثلك ـ يأتون لنصحي، بألا أعيد تغريدات من يرونه على باطل، أو لا يحبونه، وأنا يا أخي ضد القطيعة الثقافية، ألسنا كلنا سعوديين؟ وقبلها: ألسنا بشرًا؟ إنني وإن عارضت الآخرين، لا يسعني الانسياق خلف من يصنعون شرخًا اجتماعيًا وإِنسانيًا. أذكر مرة أيضًا غردت بأبيات من قصيدة لشاعر عربي، له موقف سياسي ما، الأبيات غاية في الجمال، وبالطبع أثار ذلك استغرابًا واسعًا من الأصدقاء والمحبين، وهجومًا من الخصوم والمتصيدين! نخطئ حين لا نفصل بين السياسة والأدب، ولا بين القائل والمقولة..
- أعرف أنه خطأ، ولكن أحيانًا نفعل الخطأ لنتدارك خطأ أكبر منه..
- صدقني إبعاد مُدعي الاعتدال ليس خسارة..
- وش تقصدين بالضبط؟ كيف إبعاد مُدعي الاعتدال ليس خسارة؟
- أقصد زملاء المهنة الذين تخشى على من خسارتهم، أو كل من يدعو لقبول اللآخر، ثم يمعن في قطيعة الآخر. هؤلاء مدعون وليس حقيقيين. علينا كمثقفين أن نبادر بتصحيح هذا السلوك الاجتماعي السلبي والخطير، الذي يحولنا لأحزاب وفئات ومذاهب، علينا أن نتعالى على خلافاتنا الشخصية واختلافاتنا الفكرية، ونضع «قيم الإسلام» و»الإنسانية» و»الوطن» فوق كل اعتبار. علينا ألا نشارك الرعاع في خلق جبهات. أن نمد جسر محبة وتواصل حتى لمن نختلف معهم، حتى وإن هوجمنا! المثقف الحقيقي هو «إِنساني» قبل كل شيء، التطرف والإقصاء والنبذ لا يتسّقون مع الثقافة والرسالية والإصلاح. على المثقف أن يكون إنسانًا أولاً..
يتبع في المقال القادم