يوسف المحيميد
يتردد بين الآونة والأخرى خبر عن صدور وشيك لقرار يلزم بغلق المحال باكراً، ربما في التاسعة مساء، كما يحدث في معظم دول العالم المتقدم، سواء في بعض ولايات أمريكا، أو معظم مدن أوروبا، التي تغلق في ساعة محددة ليلا، قد لا تكاد تتجاوز السادسة مساء في بعض المدن، مما يجعلها غير مرغوبة لدى شرائح عريضة من العرب، ممن يحبون السهر ليلا، بالتسكع في الطرقات، أو (التبطل) في المقاهي!
أتذكر قبل سنوات ليست بعيدة، لم يكن قد تم وضع ساعة محددة ليلا لإغلاق المحال في الرياض، فكانت محال التموينات تبقى مفتوحة إلى ما بعد منتصف الليل، حتى جاء القرار بتحديد الثانية عشرة ليلاً موعدًا نهائيًّا لقفل المحال، ما عدا المطاعم التي تبقى ساعة إضافية تقريبًا.
في البدء كان القرار صعبًا، خاصة مع المدن التي تعشق السهر، ومعظم المدن العربية، بما فيها الرياض، لا تنام حتى وجه الفجر، لكن مع الوقت تأقلم المواطنون مع هذا القرار، وأصبح ضمن أولوياتهم قضاء حوائجهم قبل منتصف الليل، وباتت الرياض تتثاءب عند الحادية عشرة قبيل منتصف الليل، لكن السؤال المهم، هل إغلاقها عند التاسعة أو العاشرة أمرًا مقبولا؟ وما جدوى ذلك على كافة المستويات، الاجتماعية والاقتصادية والأمنية؟
قد يكون القرار جيدًا لو تم تنفيذه أسوة بالمدن المتقدمة، بحيث تعمل المحال فيها بشكل متواصل منذ التاسعة صباحًا، وحتى التاسعة مساءً، بلا توقف ولا إغلاق، على خلاف عدد الساعات التي يتوقف خلالها البيع لدينا، سواء بالإغلاق أوقات الصلوات، أو فترة الغداء لساعات طويلة بين صلاتي الظهر والعصر!
الأمر الآخر، أن مدن أوروبا وما شابهها، يساعدها في مثل ذلك القرار درجات الحرارة لديها، ففي الأجواء الباردة يمكن العمل طوال النهار، بينما يصبح العمل ليلاً مرهقًا مع درجات الحرارة المنخفضة، على خلاف مناخ مدننا، ودرجات الحرارة العالية في معظم شهور السنة، حيث يصبح العمل نهارًا مؤرقًا، وشبه مستحيلاً، خاصة في الأماكن والأسواق المكشوفة.
صحيح أن مثل هذا القرار يجعل المنافسة عادلة بين المواطن والمقيم في عدد ساعات العمل، بحيث يتمكن المواطن ممن يمتلك محلاً ويعمل فيه، من الإغلاق مبكرًا، والجلوس مع عائلته، على خلاف الأجانب الذين لديهم استعداد للبقاء في المحال الليل كله، خاصة ممن لا يصطحبون عائلة يعودون إليها، ليؤدوا التزاماتهم تجاهها!
وصحيح أن مثل هذا القرار له أثر اقتصادي إيجابي، في توفير الطاقة المستهلكة في الأسواق والمحال، وتخفيف الزحام ليلاً في الشوارع، وصحيح أن له أثرا إيجابيا على صحة المواطن، والعودة إلى النوم باكرًا كما أسلافنا، لكنه لا يناسب مزاج الموطن الذي اعتاد السهر، خاصة أن معظمنا اعتاد التسوق بعد صلاة العشاء، وهذه الصلاة صيفًا في الرياض يُفرغ منها قبيل التاسعة!
ومع ذلك، سيقبل المواطن هذا الأمر، وسيعتاد عليه، كما فعل مع تغيير إجازة نهاية الأسبوع، التي اعترض عليها كثير من السعوديين، ثم أصبحت أمرًا واقعًا، وطوت الأيام خلافنا حولها.