علي الصراف
ما من مال عربي خدم أمته مثلما فعل ويفعل المال الخليجي، وسواء أخذت المسألة بحساب الاستثمارات الخليجية في الدول العربية، أو بحساب المساعدات والهبات التي تقدمها الدول الخليجية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية،
إلى الدول العربية الأخرى، أو بكليهما معاً، فإنك لن تجد قوة مالية عربية تمكنت من أن تتحول إلى قوة بناء، مثلما فعل المال الخليجي.
احسب أولاً، ثم أحكم.
وثمة دوافع، بعضها يتعلق بالطبيعة الاجتماعية الخليجية، وبعضها يتعلق بمشاعر المسؤولية والشركة والتضامن القومية. ولكنها، جميعاً، مأخوذة بدوافع الخير، على نحو لا يمكن لأي مال آخر أن يفهمه.
«الخير» كلمة لا ترجمة لها في أي لغة أخرى. إنها بكل تأكيد ليست Goodness الإنجليزية، ولا bonté الفرنسية، ولا Bondad الإسبانية.
لهذه الكلمة معنى ديني تصعب مقاربته بلغة القواميس المجردة. كما أنها تنطوي على معنى روحي عميق يتساوى كلياً مع الارتباط بعائد أخروي لا علاقة له بكل عائد مادي دنيوي.
ويمكن القول، بمقدار كبير من الثقة، أن هذا المعنى، إسلامي إلى حد بعيد. رغم أنه لا ينفي قيمة أعمال الخير لدى الديانات الأخرى. إلا أنه هنا، متجذر أكثر، ويذهب إلى عمق روحي أبعد. وهو لا يبحث عن «ثمن»، لا في رضا النفس عن النفس، ولا في رضا الآخرين عنها. إنه يبحث عن «أجر» و»جزاء» آخر، لا يمكن لأي أحد أن يُعطيه، إلا الله عزّ وجلّ.
ولأنك تعرف إلى أين يذهب المال الخليجي، فإذا شئت أن تبحث عن خطوط جوية، فخير لك أن تبحث عن خطوط خليجية أولاً. فمع أنها الأفضل بين كل الخطوط الجوية العالمية الأخرى، و»يغار» من رقيها وأناقتها الجميع، فإن ثمة في أفضليتها ما لا يمكن أن تصل إليه رحلات أي خطوط جوية أخرى. وإذا شئت الانتقال في سفينة، بين بريطانيا وفرنسا، أو في رحلات أخرى بين دول العالم، فهناك PالجزيرةO الإماراتية.
وثمة من الاستثمارات الخليجية في دول العالم الأخرى الكثير مما يجدر البحث عنه، ويمكن الاستفادة من خدماته.
عندما تضع المال هناك، حتى ولو اقتصر الأمر على شراء تذكرة، فأنت تعرف أن جانباً من هذا المال سيعود إليك، إلى أهلك، في أقصى قرية من قرى السودان، أو في بلدة من بلدات موريتانيا، أو في واحدة من مدن مصر.
وثمة في طبيعة «النظام الاقتصادي» الخليجي ما يجعل استثماراته العربية، استثمارات تنمية واستنهاض مشترك. ولكنها ليست، في النهاية، استثمارات مال من أجل المال. ذلك لأن وراءها شيء أهم بكثير: رؤية قومية تعي التحديات المشتركة، وتدرك طبيعة المخاطر، وتعرف أننا «ليس لنا إلا بعض» في نهاية المطاف.
هذا هو الاتجاه الصحيح لأي «توصيلة» نحو إعادة بناء مقدرات ومكانة هذه الأمة.
المسألة هنا، إنما تتعلق بدافع لا يمكن للاستثمارات الأخرى أن تراه. كما أنها تتعلق بتصور لوظيفة المال لا يفهمه أي مال آخر.
إنه فهمنا نحن لمعنى «الخير».
إنه «استثمار» حقيقي، من أجل الرخاء المشترك، والأمن المشترك، والقناعة المشتركة بأن الجزاء الأتم سوف يأتي، إنما ليس من أي أحد،....