د. محمد عبدالله الخازم
بعض التحقيقات الإعلامية ومثلها الأخبار والشكاوى وكتابة الرأي العام تساعد المسؤول على معرفة نبض الشارع وبعض القصور. لكنها حينما تكون غير موضوعية فإنها قد تضغط على المسؤول للتنازل عن الطريق الأفضل إتقاء لسياط الإعلام وخوفًا من تأثيره على أصحاب القرار الأعلى. أحيانًا يخشى المسؤول الأدنى التأثير على المسؤول الأعلى منه، وهكذا. في بعض الحالات يستطيع إعلامي صغير أو شخص - أشخاص لهم علاقة بإعلاميين إرباك جهة ما بتكثيف النقد السلبي لها، وخصوصًا مع توسع مساحة وقنوات الإعلام والجنوح نحو الإثارة، فما بالنا حينما يأت ذلك من كتاب يصنفون كبارًا.
ساستخدم مثالاً لقضية الضغط الإعلامي على هيئة التخصصات الصحية. وبالمناسبة أنا لست صديق الهيئة، وسبق أن طرحت وسأطرح ملاحظات تتعلق بها. لكن اسأل؛ هل مطالبة الهيئة بتسهيل نجاح الأطباء أو الفنيين الصحيين في اختباراتها، هو الحل لإصلاحها وإصلاح المهن الصحية؟ لماذا يتحول الكاتب الصحفي الكبير إلى مجرد شخص يستمتع بوقته في صالونات المجتمع يقرأ صحيفـتـين إلكترونيتين فيعتبرهما مرجعه أو يتعاطف مع شخص أو شخصين تواصلا معه فتأخذه العاطفة لتبني قضيتهم وسن سهامه القاسية ضد جهة ما، دون أن يبذل جهدًا أكبر في تتبع المعلومة واستيعاب أبعادها وقراءة التقارير وسؤال أهل الخبرة والتخصص وليس مجرد الأصدقاء منهم؟ إلا يطرح تساؤلاً أثاره كتاب أصدقاء، تكرار نفس الموضوع بنفس الفكرة وفي نفس الجريدة وخلال أيام قليلة؟ لماذا يخلط أحدهم الأوراق ويهول الأمر وكأن الهيئة مسؤولة عن افتتاح المستشفيات وإنجاح المشروعات المتعثرة، بل ويؤلف أرقامًا غير دقيقة مثل القول المضحك بوجود 30 ألف استشاري كندي عاطل عن العمل؟
هل هناك رسوب كبير
في اختبارات الهيئة؟
ربما يكون، لكن السؤال من هو المذنب في ذلك؟ هل تتحمل الهيئة وحدها الذنب في ذلك؟ هل نظل نستخدم شماعة نقص الممارسين الصحيين لنضغط باتجاه تخريج كفاءات غير متميزة؟ عندما يحدث الخطأ الطبي فإن أول من يكتب ضد القطاع الصحي هو ذلك الشخص الذي يضغط على الهيئة ويتهمها بمختلف التهم لأنها كانت صارمة في معاييرها. لن يتذكر حينها أنه أول من تعاطف وطالب بتسهيل اختبارات المتدربين ومنحهم رخص الممارسة الصحية بيسر وسهولة بغض النظر عن الجودة.
الجامعة والمعهد والمستشفى والقطاعات الصحية جميعها مسؤولة عن فشل تدريب الطبيب أو الفني أو الممرضة، وليس هيئة التخصصات الصحية وحدها. ربما تكون الهيئة قامت ببعض التغييرات في طريقة اختباراتها لأنها لاحظت ضعفًا في الأطباء بسبب ازدياد المخرجات وضعف برامج التدريب، أو ربما هي قامت باستقطاب أصحاب فكر حديث في التعليم والتدريب. هذه مسؤوليتها نحو تجويد عملها، وواجبنا الدعم أو النقد الإيجابي، وبالذات وهي تمنح أكثر من فرصة للمتدرب لتحسين وضعه. القطاع التعليمي والتدريبي الصحي كمنظومة يعاني والهيئة لن تستطيع إصلاحه لوحدها- بالذات في ظل ضخامة مسؤولياتها وتواضع نظامها- وما أخشاه أن تتنازل عن بعض المعايير المطلوبة نتيجة الضغوط التي تواجهها.
وللتذكير؛ وزارة التعليم وقفت صارمة سنوات طويلة ضد التوسع في التعليم التجاري وبالذات الصحي منه، ولكن أمام الضغوط تم التنازل عن القناعات العلمية والمهنية. هذه هي الحقيقة؛ الضغوطات المجتمعية والإعلامية وتنازل المسؤول عن قناعاته خوفًا من الضغوطات قاد إلى التنازلات فامتلأت الشوارع بدكاكين التعليم الصحي حكومية وتجارية. وذات الإعلام الذي كان يضغط بالتوسع في هذا المجال يشتكي الآن من سوء المخرجات وتحت ضغط العاطفة يريد أن (نطبطب) على خريجي تلك (الدكاكين) لنمنحهم رخص الممارسة والترقية على حساب الجودة والمعايير الصارمة.
أكتب هنا عن المبدأ وليس عن أداء هيئة التخصصات. الهيئة ليست مؤسسة مثالية خالية من القصور، وسأشرح في مقالات قادمة رؤيتي في تطويرها، لا هدمها وتحميلها كل أوزار القصور في النظامين التعليمي والصحي...