د. خالد محمد باطرفي
بدا رجل الأمن اللبناني الواقف على مدخل ساحة النجمة في منطقة السوليدير ببيروت حزينا يائسا وهو يشرح لي ولزوجتي بأننا لا نستطيع الدخول إلى المنطقة لأنها أغلقت تماما منذ أكثر من عام. فقد أجبرت التفجيرات والاضطرابات الشعبية والأمنية في تلك الفترة وما بعدها إلى إغلاق المنطقة نظرا لقربها من البرلمان والدوائر الرسمية.
صدمتني المفاجأة إذ لم أقرأ أو أسمع خبرا عن هذا الإغلاق للمنطقة التي تملكها شركة السوليدير المساهمة، والتي أعاد بنائها الرئيس رفيق الحريري، رحمه الله، في التسعينات الميلادية ومطلع الألفية بعد أن دمرتها الحرب الأهلية (1975-1990)، لتصبح واجهة حضارية وتجارية وسياحية مزدهرة، وعنوان لصورة لبنان في مطلع القرن الواحد والعشرين.
«ولكن ماذا حدث للمطاعم والمحلات التجارية والمكاتب التي بلغت قمة ازدهارها قبل سنوات؟»، سألته باندهاش. «هل أغلقت جميعها؟ وأين ذهبت؟»
أشار إلى الجانب الآخر من ساحة النجمة والمسجد العمري، وهو يقول: «كلها أغلقت وانتقلت إلى هناك. ولكنها لا تحقق نجاحا، وأتوقع أن تغلق قريبا. أنظر إلى الشارع أمامك، إلى المحلات الواقعة عليه؟ هل تبدو لك منطقة وسط البلد؟ خرج السائح والمستثمر الخليجي ولم يعد، وحتى المغتربين اللبنانين ضعف حماسهم للزيارة والاستثمار. من يلومهم؟ نحن اللبنانون لم نعد نخرج كثيرا من بيوتنا كما كنا، وأصبحنا أقل رغبة في النزهة والتسوق والاستثمار. الزوار الأكثر تواجدا اليوم هم الأخوة السوريون والعراقيون، وأغلبهم لاجئون وباحثون عن عمل. وبالتالي فلن تلحظ لهم تأثيرا إيجابيا على السياحة والتجارة.
زوجتي التي أحبت لبنان، بقدر ما أحببته، وكانت قد زارت بيروت قبل بضع سنوات، عندما كانت السياحة مزدهرة والمنطقة تزدحم بزوارها، علقت: «الأمل أن ينتهي هذا الكابوس قريبا، وتعود لبنان سويسرا الشرق كما عرفناها، واحة الديمقراطية وحرية التعبير والحياة الراقية التي تحتضن وتحتوي ضيوفها من كافة الأطياف والطبقات والإمكانيات.»
رد صاحبنا «لا يهمنا أن نكون سويسرا أو غيرها. كل ما نريد أن يتركنا الجيران والآخرون لنعيش في سلام!»
كان ذلك يوم أربعاء، وفي اليوم التالي، زرنا منتجع «فرايا» بجبل لبنان، والذي يبعد 50 كيلومترا عن بيروت، لنستمتع بالضيافة اللبنانية والخدمات السياحية التي يندر مثيلها، وكانت المنطقة عامرة بالسياح، أكثرهم لبنانيون، مع خليجيين ومصريين وأمريكيين. وفي إجازة نهاية الأسبوع تجولنا في أسواق ومولات بيروت الحديثة، ولحظنا الظاهرة نفسها. فاللبناني في كل الظروف محب للحياة، ومحبو لبنان لم يهجروه.
التقيت بعدد من الزملاء الإعلاميين والأكاديميين. سمعت منهم آراء مختلفة، إلا أن الكل أجمع على شكوى واحدة. لبنان عانى ويعاني منذ استقلاله من كونه مسرحا لصراعات الآخرين. ومنذ دخلت إيران وعملاؤها المحليون على الخط أصبحت الأزمة خانقة. فهل يعقل أن تبقى دولة بلا رئيس أكثر من عام، وأن يسيطر حزب واحد، يملك سلاحا ثقيلا ويمنح ولاءه علنا لدولة أجنبية على البرلمان ومجلس الوزراء ويقحم البلد في صراعات إقليمية لا تعنيها؟
لبنان بحاجة إلى العرب ليحرروها من كابوس إيران وحزب الله، ويعيدوها إلى سابق عهدها، واحة زاهية للديمقراطية والتسامح والرخاء.