د. أحمد الفراج
ربما يكون من المناسب لمن يرغب في معرفة المزيد عن سيرة الرئيس التاريخي إبراهام لينكولن أن يشاهد فيلم «لينكولن»، رغم أن هذا الفيلم لم يستطع اختزال سيرة هذا الزعيم كاملة، لكنه يفي بالغرض. كما أنصح من يود معرفة تفاصيل حياة الرق «الشنيعة» التي عاشها السود في الولايات المتحدة بأن يشاهد مسلسل «الجذور» المبني على القصة الحقيقية، التي أبدع فيها المؤرخ الأسود أليكس هيلي، وهي سلسلة لا يمكن أن يمل المرء من مشاهدتها؛ فهي تحكي عن مراحل فاصلة في التاريخ الأمريكي، بل البشري. ومن خلال هذين العملين الرائعين جداً يستطيع المتابع أن يكوِّن فكرة جيدة عن نشوء الإمبراطورية الأمريكية، التي قامت على تدمير حضارة السكان الأصليين للأرض الأمريكية، واستعباد الأفارقة على يد المهاجرين الأوروبيين، وبالذات الإنجليز، الذين هربوا من الظلام الأوروبي حينها؛ ليقيموا واحدة من أعظم الحضارات البشرية، رغم الجرائم التي ارتكبوها خلال هذا المخاض العسير. وقد قال أحدهم في لحظة صدق مع النفس: «كلما أتذكر الجرائم التي ارتكبناها بحق الهنود الحمر والسود أتيقن أن الله لن يغفر لنا أبداً».
الرئيس إبراهام لينكولن كان أحد الذين حاولوا أن يكفّروا عن أفعال الرجل الأبيض في القارة الجديدة، وذلك عندما خاض تلك الحرب لتحرير السود من العبودية، وهي الحرب التي يسميها بعض المؤرخين: «أعظم الحروب الأخلاقية والسياسية والدستورية»، وقد كانت كذلك. ويعتبر خطاب الرئيس لينكولن في ولاية بنسلفانيا في عام 1863، أي أثناء الحرب الأهلية، هو أشهر الخطابات السياسية في التاريخ الأمريكي، ويطلق عليه: «خطاب قيتيزبرق»؛ إذ كانت خطبة قصيرة، لكنها مفعمة بالمعاني الوطنية، والعبارات التي لا تزال تردد حتى اليوم؛ فقد أكد لينكولن على حق الإنسان في الحرية، والعيش الكريم، وكرس الشعور الوطني، وقال عبارته الأشهر: «إن الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب لخدمة الشعب»، وهي العبارة التي يرددها الساسة في كل أرجاء العالم حتى يومنا هذا.
لا أحد يعلم كيف ستكون الولايات المتحدة، ومعها العالم، لو استطاع الرئيس لينكولن أن يكمل فترته الرئاسية الثانية، ولكن هذا لم يحدث؛ فقد كان غضبُ الانفصاليين في الجنوب الأمريكي عليه جامحاً، ولم يغفروا له هزيمتهم في الحرب، وتحريره السود، الذين كانوا يعتمدون عليهم في مزارعهم وتجارتهم؛ لذا فقد حاكوا مؤامرة، واستطاع شاب انفصالي غاضب، اسمه جون ويليكس بوث، التسلل إلى المكان المخصص لجلوس الرئيس لينكولن في مسرح واشنطن، وأطلق على رأسه النار؛ فأرداه قتيلاً أمام زوجته، وانتهت بذلك حياته السياسية، ولكن سيرته بقيت خالدة، تتجدد مع الزمن، ويطمح كل سياسي إلى أن يكون نسخة منه، وآخر هؤلاء هو الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، الذي يعتبر لينكولن مثله الأعلى، ويحاول أن يحاكي سيرته. فهل ترى، عزيزي القارئ، أن أوباما مثل لينكولن، أم أنك ترى فرقاً بين الصورة والأصل؟!