د. أحمد الفراج
مع أن الرئيس الأمريكي التاريخي، ابراهام لينكولن، اشتهر عالمياً بتحقيقه لمعجزة إلغاء الرق، وهو المنجز الإنساني، الذي قاد في النهاية لإلغاء هذه الممارسة عالمياً، والوصول إلى تحقيق العدالة والمساواة بين كل البشر، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون، إلا أنه كان نتاج عصره، فقد ولد وترعرع في ولاية كنتاكي الجنوبية، التي كان يمارس فيها الرق بشكل كبير، ولذا فقد كان صاعقاً، عندما كشف المؤرخ الرئاسي البارز، ليرون بينيت، في عام 1968، أن الرئيس لينكولن كان يؤمن بتفوق العرق الأبيض على غيره من الأجناس، وأنه كان يستخدم العبارات العنصرية ضد السود، ويسخر منهم، وقال المؤرخ إن لينكولن كان يؤمن بأن السود عبارة عن عرق أدنى من البيض، ولكن هذا لا ينفي أنه كان أفضل من غيره، فقد أكد المؤرخون، أيضاً، أن لينكولن، ومنذ شبابه، كان لا يؤمن بمبدأ استعباد إنسان لإنسان آخر، ويعارض ذلك بقوة، وهو في هذا قد تأثر بمواقف والده من ذات القضية، فقد كانت أسرة لينكولن من ضمن الأسر القليلة التي تعارض الرق، إذ كانت ترتاد الكنائس التي تعارض الاستعباد.
وأياً يكن الأمر، فقد كان لينكولن رجل دولة محنك، وزعيماً من طراز نادر، ولذا فقد أدرك أن إلغاء الرق مطلب ضروري لاستمرار الولايات المتحدة الأمريكية، وبناء عليه، فقد قاد الحرب الأهلية على ولايات الجنوب، التي عارضت إلغاء الرق، وأعلنت انفصالها عن الاتحاد الأمريكي، وأسست دولة أسمتها: الولايات الأمريكية الكونفيدرالية، وهي ولايات كثيرة، تضم ألاباما وميسيسيبي وجورجيا وجنوب كارولينا وبقية ولايات الجنوب، وقد كانت الحرب شرسة جداً، ودموية إلى أقصى حد، واستعان من خلالها الرئيس لينكولن بأبرز جنرالات الجيش الفيدرالي، وعلى رأسهم الجنرال الشهير، يوليسيس قرانت، الذي أصبح رئيساً لأمريكا فيما بعد، ومات في هذه الحرب العظمى خلق كثير من كلا الطرفين، ورغم كل المآسي التي حصلت، على مدى سنوات الحرب، إلا أن لينكولن كان زعيماً صلباً، لم يلن ولم يستكن، ولم يستسلم لآراء بعض المستشارين، ولا للمعارضين لسياساته، وهم كثرة غالبة، وواصل حربه الضروس على الانفصاليين، حتى استطاع هزيمتهم، وأعاد توحيد أمريكا مرة أخرى، وهو المنجز الذي يعتبر الأيقونة التي تميز عهده، إضافة إلى منجز إلغاء الرق بالتأكيد.
لم يكن هيناً على ولايات الجنوب الأمريكي أن تخسر هذه الحرب، ولذا فقد أصرت تلك الولايات على الاحتفاظ بعلم الانفصال، رغم عودتها إلى الاتحاد الأمريكي بالقوة، وللعلم، فلا يزال هذا العلم يرفرف على مباني حكومات تلك الولايات، جنباً إلى جنب، مع العلم الأمريكي الرسمي، رغم مرور أكثر من قرن ونصف على نهاية تلك الحرب، وقد يزال هذا العلم، الذي يرمز للعنصرية، يوماً ما، وقد لا يأتي هذا اليوم أبداً.