د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
صحيح أن الناتج المحلي السعودي أقل من ربع الناتج المحلي الروسي، بالإضافة إلى أن روسيا إحدى الدول الكبرى في مجلس الأمن، رغم ذلك فإن السعودية تمتلك مقومات تفوق مقومات روسيا، ولها الحق في الدفاع عن الأمن العربي والإسلامي، خصوصاً أنها أثبتت أنها دولة محورية، وكيف أن الدول العربية والإسلامية وقفت إلى جانب السعودية..
وصل عدد الدول العربية والإسلامية الذي وقف إلى جانب السعودية إلى خمسين دولة استهجنت استهداف السفارة والقنصلية السعودية في إيران، كذلك كل دول العالم المتقدم والنامي وقفت مع السعودية، أثبتت السعودية لروسيا التي تبحث عن دور في الشرق الأوسط، وأن تحالفها مع النظامين السوري والإيراني، لن يمكنها من الوقوف أمام دور السعودية الذي تدافع فيه عن حقوق الأمتين العربية والإسلامية.
دول الخليج ككتلة واحدة تمتلك مقومات عديدة تمثل نحواً من 40 في المائة من احتياطيات العالم من النفط التقليدي الرخيص، ونحو 23 في المائة من احتياطيات الغاز، نصف تلك الاحتياطيات في دولة قطر، يصل عمر تلك الاحتياطيات إلى 110 سنوات ضعف عمر الاحتياطيات العالمية البالغة 55 عاماً.
انتعاش أسعار النفط لن تدوم ما دامت الثقة بين السعودية وروسيا لا تزال غائبة إذا لم يتشكّل تعاون بين البلدين في سوريا، وترفض السعودية أية تحركات مكثفة قد ينتج عنها اجتماع طارئ وتنسيق ملزم، بل إن السعودية تصرح بكل ثقة بأنه لا يوجد مبرر للانزعاج من تراجع الأسعار، ولن تتدخل في السوق، بل ترى أن السوق يصحح نفسه في عام 2016، ولا يمكن استمرار تدني أسعار النفط طويلاً.
ترى توتال بأن استقرار السوق النفطية بحاجة إلى تفاهم كبار المنتجين، لذلك حاولت روسيا اختبار النوايا السعودية حول خفض إنتاج النفط العالمي 5 في المائة، عندما قالت بأن السعودية أكبر منتج للخام في أوبك اقترحت خفض الإنتاج العالمي بما يصل إلى خمسة في المائة، واعتبر المسؤول الروسي بأن يكون مثل هذا الاتفاق أول اتفاق عالمي في أكثر من عشر سنوات للمساعدة على التخلص من تخمة المعروض ودعم الأسعار المتدنية، على إثر هذا التصريح قفز سعر برنت في العقود الآجلة ثمانية في المائة إلى نحو 36 دولاراً للبرميل في نهاية شهر يناير.
ردت السعودية على لسان مسؤول سعودي بأن ما جاء على لسان وزير النفط الروسي بشأن مقترح سعودي لخفض الإنتاج غير دقيق، وأن مثل تلك المقترحات هي من داخل منظمة أوبك من فنزويلا والجزائر، وهي مقترحات قديمة قبل سنة لم تحظ بقبول داخل المنظمة، وأكد المسؤول على أن السعودية لديها اهتمام كبير للتعاون مع جميع المنتجين بما يخدم مصلحة السوق ما يعني أن روسيا إحدى تلك الدول أي أنها لم تُعرها اهتماماً كبيراً.
ترفض السعودية لعب دور المنتج المرجح الذي تعتبره قد انتهى، بل هناك تصريحات من مسؤولين تجاه روسيا إذ ما كانت روسيا لا تبدي أي استسلام، فإن السعودية هي الأخرى لن تستسلم بسهولة، ما يعني أن روسيا كانت على الدوام تمارس دور الدولة الكبرى على دول الأوبك بينما ترفض السعودية ممارسة هذا الدور اليوم لأن الظروف تغيرت وهي ترفض الاستسلام للدور الروسي، خصوصاً بعدما قدمت إلى سوريا بقواتها العسكرية بحجة محاربة داعش، وبدأت تقصف الشعب السوري والمعارضة، بل أعلنت السعودية على لسان الفالح عندما صرح للصحفيين أن السعودية بإمكانها تحمُّل انخفاض أسعار النفط لأعوام طويلة، لأنها المنتج صاحب أقل تكلفة إنتاج، وستستمر السعودية في هذا الاتجاه لخفض تكاليفها أكثر للبقاء في السوق أمام الإنتاج الجديد القادم من أماكن ذات تكلفة منخفضة كذلك أي يقصد دخول الإنتاج الإيراني بعد توقف العقوبات.
بعد توقف عمليات التوسع والاستثمار إثر انخفاض أسعار النفط خصوصاً بعدما ارتفعت ديون 60 شركة طاقة رائدة بلغت 206 مليارات دولار من نحو 100 دولار في نهاية عام 2006، فأصبحت منصات الحفر تتحول إلى هدف إستراتيجي لشركات النفط، بل واصل انخفاض عدد الحفارات النفطية في أمريكا إلى 498 وهو الأدنى منذ مارس 2010، بعدما كان عدد الحفارات قبل عام نحو 1223 حفاراً حسب شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية في تقريرها، وتلك المنصات كانت تساهم في نصف إنتاج أمريكا من النفط، أي نحو أربعة ملايين برميل يومياً.
وهو مطلب اجتماعي بسبب أن صناعة النفط الصخري تسبب حدوث زلازل في أوكلاهوما، وربط العلماء بين شدة الزلازل في أوكلاهوما ووتيرتها وبين عمليات التخلص من المياه المالحة التي تتخلف عن عمليات إنتاج النفط والغاز وضخها في آبار عميقة، حيث إن الحقول النفطية ازدهرت في أوكلاهوما خلال السنوات العشر الماضية بفضل التقدم الذي حدث في عمليات التنقيب عن طريق التصنيع المائي والتنقيب الأفقي، حيث هناك أكثر من 4600 بئر في أوكلاهوما.
فتقنية التكسير الهيدروليكي المثيرة للجدل ذات الصلة، التي يجري فيها حقن المياه في الصخور، لفتح شقوق تجعل النفط والغاز يتدفقان بسهولة أكبر، تم ربطها بوقوع الزلازل، حيث ضاعف الانتشار السريع للتكسير الهيدروليكي منذ عام 2007 أربع مرات استخراج الغاز الطبيعي من آبار الصخر الطيني، وزاد إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 26 في المائة.
وبعد رفض روسيا على مدى 15 عاماً بشأن أي اتفاق أو تعاون مع منظمة أوبك، فإن تصريحات روسيا الأخيرة بسبب انخفاض الأسعار الذي ضغط على روسيا في اتجاه التنسيق مع أوبك، ومن المقرر أن يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دولة الإمارات المتحدة ودولة عمان، ستتناول خفض التقلبات في الأسواق وضمان مستوى عادل لأسعار النفط والغاز، ما يعني أن السعودية تضغط على روسيا بعدما كانت ترفض حضور أحرار الشام وجيش الإسلام بدعوى أنهما جماعات إرهابية ولكن بضغط أمريكي وافقت روسيا على مشاركتهما في محادثات جنيف3، لكن السعودية تطلب كذلك وقف القصف الروسي للشعب السوري وللمعارضة.
انهيار أسعار النفط يرسل إشارات متضاربة، لا يمكن أن يكون سعر برميل النفط عند 100 دولار مسؤولاً عن الإضرار بالنمو العالمي، فكيف يكون مسؤولاً عن الضرر بالنمو العالمي وهو عند 20 دولاراً أيضاً.
ينظر إلى انخفاض أسعار النفط على أنه حجر المغنطيس في الاقتصاد العالمي، الأسهم والنفط يتحركان معاً، ولكن استخدام أسعار النفط كمؤشر على صحة الاقتصاد العالمي يبدو مضللاً، إنه منطق إلقاء اللوم على النفط في كل شيء، إنه أمر محير بأن يجعل هناك هلعاً في الأسواق العالمية، ومخاوف من تأثر القطاعات الإنتاجية.
انخفاض أسعار النفط لأدنى مستوى لها في 12 عاماً، يتزامن مع تدهور أسعار المعادن، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، كلها عوامل كفيلة بتباطؤ النمو الاقتصادي، وفي نفس الوقت يحذر كثير من المحللين ألا تأخذ المستهلكين شعوراً متسرعاً بعيداً عن مجمل الصورة الاقتصادية، لأن لانخفاض أسعار النفط تداعيات على سيرورة الاقتصاد العالمي، بينما ركز المستهلكون على المكاسب التي سيحققونها على المدى القصير.
تأجيل رفع الفائدة الأمريكية أسهم في توقف صعود الدولار الأمريكي على حساب بقية العملات الرئيسة، وهو ما عزز من تعافي أسعار النفط، إلا أن ارتفاع المخزونات الأمريكية يظل عقبة رئيسة أمام تحقيق نتائج وتعافٍ أفضل لأسعار النفط، خصوصاً أن تراجع الروبل إلى مستوى قياسي جديد يثير فزع الروس بعدما تهاوى سعره إلى 85 مقابل الدولار و100 لليورو في 21 يناير 2016، في الوقت الذي تواصل فيه انخفاض أسعار النفط وهي السلعة التصديرية الرئيسة في روسيا، بجانب أن روسيا تعاني من العقوبات الأمريكية والأوربية ما جعل الاستثمار المباشر يتراجع إلى 92 في المائة في 2015 مما يعرض استقرار روسيا للخطر عن طريق إضعاف اقتصادها بشدة، خصوصاً وأن روسيا عليها ديون أكثر من 515 مليار دولار بخلاف الفوائد المترتبة عليها.
لذلك تجد روسيا أن السعودية هي المنقذ الوحيد لها من أزمتها لكنها لا تعترف بذلك، رغم أن البلدين متضرران من انخفاض أسعار النفط، لكن روسيا متضررة من انخفاض عملتها وأسعار النفط، بينما السعودية متضررة من انخفاض أسعار النفط فيما تكاليف نفطها رخيص ولم تتضرر عملتها، ولديها احتياطيات ضخمة، وكما أن السعودية تقود حرباً للدفاع عن الأمن القومي في اليمن، فيما روسيا متورطة في حرب في المنطقة العربية في سوريا يمكن أن تتحول إلى حرب استنزاف.