جاسر عبدالعزيز الجاسر
قبل بدء مؤتمر جنيف «3»، الذي خصص لبدء مباحثات بين المعارضة السورية، ووفد النظام السوري، كان كثير من المتابعين للشأن السوري لا يرون أي أمل في نجاح المؤتمر، إِذ كان الجميع يأخذ على المبعوث الدولي سيتفان دي مستورا عدم تحضيره لهذا المؤتمر الذي كان سيشكل بداية الانطلاقة الحقيقية لحل الأزمة السورية، إلا أن مبعوث الأمم المتحدة تعامل مع الأمر كأي تحضير لما حصل في المؤتمرات السابقة، إِذ اشتكى من له علاقة بالمؤتمر بأن التحضير للمؤتمر لم يكن متناسبًا مع الهدف من عقد المؤتمر، فحتى الشخصيات المشاركة في مباحثات المؤتمر لم يكن متفقًا عليها، وأثار السيد مستورا نفسه شكوكًا ولغطًا حينما سربت المصادر القريبة منه عزمه توجيه دعوات لأشخاص منبوذين من المعارضة السورية للاشتراك في الوفد الذي اختاره مؤتمر الرياض، كما أن الطرف الآخر، ونعني به نظام بشار الأسد وحلفاؤه وبالذات روسيا لم يكونوا مهيئين للانخراط في مباحثات جادة والبدء عمليًا في إنهاء الأزمة، ذلك لأن لهم ترتيبًا خاصًا بهم وفق سيناريو بدأ تنفيذه منذ تدخل القوات الروسية ومشاركة المقاتلات الروسية في استهداف مواقع مناطق الثوار السوريين بحجة القضاء على الإرهاب وهذا الترتيب الذي يتم تنفيذه بوتيرة عالية يهدف إلى تحجيم المعارضة السورية العسكرية، إن لم يتم القضاء عليها وهو إلى حدٍ ما يفرض الحل العسكري الذي كان ولا يزال الخيار الوحيد لنظام بشار الأسد، الذي وجد في مساندة وتدخل الطيران الروسي ما رجح كفته وتمكن وبمساعدة عديد من الميليشيات الطائفية بدءًا من ميليشيات حزب حسن نصر الله والميليشيات العراقية والباكستانية والأفغانية والمشاركة المكثفة للحرس الثوري الإيراني، قد أعاد عديدًا من المناطق التي كان الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة السورية الأخرى يسيطران عليها، وينتظر نظام بشار الأسد أن تحقق المشاركة الروسية العسكرية ما عجزت عنه القوات العسكرية بالرغم من كل ما ارتكبته من تجاوزات وجرائم تمثلت في استعمال أسلحة محظورة منها غازات سامة وإلقاء البراميل المتفجرة على المناطق السكنية والمدارس والمساجد، ومع هذا كانت عاجزة عن وقف تقدم قوات المعارضة السورية، إلا أن هذا التغير ظهر بعد تدخل ومشاركة الطيران الروسي الحربي في المعارك الذي استهدف مواقع الجيش السوري الحر وفصائل المقاومة السورية الإسلامية بحجة القضاء على الإرهاب، وقد أدى ذلك وخصوصًا بعد توفير غطاءجوي وناري كثيف لقوات بشار الأسد من مساعدتها على استعادة كثير من الأراضي التي كانت قد فقدتها في السابق لصالح المعارضة السورية.
ويطمح نظام بشار الأسد إلى أن يتواصل الدعم الروسي حتى يستعيد كل ما خسره منذ بدء الثورة السورية، ولهذا وبسبب هذه الأحلام لم يكن وفد نظام بشار الأسد جادًا في المفاوضات التي فشلت، كما أن تصعيد الطيران الروسي وزيادة طلعات القصف الجوي على مواقع المعارضة السورية، وفتح جهة حلب أعطت انطباعًا للمعارضة السورية بأن كل ما يرد من مؤتمر جنيف «3» هو كسب للوقت حتى تتحقق أهداف نظام بشار الأسد وحلفائه، بفرض حل عسكري يعيد لبشار الأسد سيطرته وغطرسته وفرض أمر واقع على السوريين وعلى الأمم المتحدة معًا.
ولهذا فقد كانت النتيجة المنطقية أن ينتهي المؤتمر إلى فشل ذريع، لأن الأهداف متباعدة ومتناقضة، ففي الوقت الذي كانت المعارضة تسعى إلى استثمار عقد مؤتمر جنيف «3» لرفع الحصار ووقف تجويع السوريين باستصدار قرار وقف قصف المدن ورفع الحصار والسماح بإرسال الأغذية والدواء للمدن التي تتعرض للإبادة جوعًا، كان النظام وحلفاؤه يسعون إلى تحويل المؤتمر إلى مصيدة لاستنزاف الوقت، حتى تتحقق أهدافهم بتحجيم المعارضة واستعادة الأراضي التي حرروها من تسلط النظام وميليشياته الطائفية.