د.ثريا العريض
أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ القديم والنشاطات الفنية والإبداعية في وعينا.
ومع هذا، ما زالت بيئتنا عموما غير جاذبة للنشاطات الثقافية.
وتتضافر عدة عوامل في ترسيخ هذا الضعف لا شك أن أولها محاصرة الرؤية لمعنى الفن والإبداع والترفيه وأهميتها في حياتنا الإنسانية, ما يستلزم تغيير زاوية الرؤية؛ أي تقييم الحضور العام بعيداً عن تكثف الحضور كأجساد, والتركيز على ما يحدث من تفاعل أسمى. بمعنى أن يركز الحضورعلى المنتج الأدبي والفني والإبداعي والناتج الانفعالي المرتقي بالذائقة والحس، لا على «حضور» الآخرين جسديا.
لاشك أن تجربة دبي في تطوير التصرف المجتمعي ضمن الحضور العام, والرقي به تجربة تستحق الاقتداء.
عقد الملتقى السنوي ل»قلب شاعري» على مدى يومين في مركز الندوات المصمم لتقديم كل ما يحتاجه مثل هذا الحدث من صالات واستعدادات، وجمع هذا العام في موسمه الخامس 15 شاعرا وشاعرة مدعوين من آسيا و أوروبا وأفريقيا والأمريكتين.
ألقيت القصائد باللغات الأصلية الأم للشعراء وعرضت النصوص على الشاشات مع ترجمتها باللغة الإنجليزية.
ابتدأ الحفل بنشيد جماعي أدته مجموعة مميزة التدريب والأداء. وحقيقة أسعدني التنظيم والتنسيق والاستعداد المسبق والملتزم به حيث أنتج حدثا راقيا بكل جوانبه. حدد لكل شاعر عشر دقائق للإلقاء لا يتعداها.. واختير محور لفحوى القصائد وكان هذا العام عن السلام والإنسانية. ما حدا الشعراء لاختيار قصائد قصيرة و قابلة للتذوق الإنساني العام.
اليوم الثاني كان مخصصا لمشاركات الشعراء الصغار من طلبة وطالبات المدارس المحلية. أعجبتني الفكرة حيث يعتاد الصغير الموهوب على الحضور العام و الالتزام بتقديم الأداء المميز في حضور متذوقين.
وفي اليومين اكتظت القاعة بالحضور..
ذكرني المبنى الجميل المصمم بأسلوب يجمع الشكل التراثي والتطور الخدماتي بمنطقة المتحف الوطني في قلب الرياض. وتمنيت لو طورت نشاطات المنطقة عندنا لتقديم المزيد من الفعاليات الحية.. و أن تتآخى فيها وزارة الثقافة والإعلام والهيئة العليا للسياحة والتراث. مثل هذا النشاط الأدبي مع دعوة مبدعين من الوطن وخارج الوطن سيدعم الحركة الثقافية المعاصرة بتاريخنا الذي نعتز به.
أعجبني أيضا التخير المذوق لمحتوى الوجبات في مناسبة محورها الغذاء الروحي و الأدبي. فجاء تقديم ولائم بسيطة متنوعة ولذيذة واختيارات شاملة لكل الأذواق مناسبا لمعنى وتوقيت اللقاء.
أتمنى لو نسقت نشاطاتنا الإبداعية والثقافية بين كل المؤسسات التي تقدمها مثل مهرجان الجنادرية ومهرجان عكاظ من الرياض ومعارض الكتاب بمثل هذا النجاح.
دبي بيئة جاذبة لكل الفعاليات الثقافية والاقتصادية. ولاشك أن تدفق ملايين الزائرين على مدى العام يمثل مصدرا مهما من ركائز الدخل.
صناعة السياحة في دبي متقدمة جدا و نشطة على مدى العام. وتتميز بأنها تقدم خدمات راقية وتجربة أكثر ثراء من السياحة التقليدية. السياحة في المنطقة العربية بما في ذلك العراق و سوريا و لبنان واليمن ومصر وتونس ضربتها أحداث المنطقة، وكانت قبل الأحداث تشمل زيارة الآثار التاريخية التي نأمل ألا تفتقدها الأجيال القادمة. وهي سياحة موجهة غالبا للمهتمين والمتخصصين. أما دبي فقد بنت صناعة اجتذاب الزائرين على دعم كل نواحي الجذب السياحي والإبداعي ورقي التصرف العام في حضور تطبيق القانون، لا الحكم الفردي على ما يصح أو لا يصح.