خالد بن حمد المالك
شكك البعض في جدية المملكة بإرسال قوات برية لها إلى سوريا لمحاربة داعش في بعض الأراضي السورية كالرقة وغيرها، واعتبروا تصريحات وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير المتكررة بقيام المملكة بذلك هو من باب المناورات السياسية، وأن المملكة غير قادرة، ومن غير الممكن أن تقوم بفتح جبهة عسكرية جديدة مع سوريا، بينما هي مشغولة في قيادة التحالف لإعادة النظام الشرعي في اليمن وتمكينه من السيطرة على الأوضاع هناك، وبالتالي إعادة الاستقرار إلى البلد الشقيق، في ظل أجواء تسودها الفوضى بعد استيلاء الحوثي وصالح على مقدرات الأمور هناك.
***
ولعله من باب ذر الرماد في العيون، ومغالطة الواقع أن تصدر عن إيران ونظام بشار الأسد تصريحات حمقى لا ترتقي إلى الجدية والمسؤولية، حينما هددوا في حال تدخل المملكة بقوات برية سعودية ضمن أي تحالف دولي، بأن مصير القوات السعودية سيكون إعادتها إلى المملكة في توابيت بعد أن يتم قتلهم على أيدي إرهابيي إيران ونظام الأسد وحزب الله عميل إيران، وهو ما يفسر - لا غير - حجم الرعب الذي أصابهم جميعاً مع قرار المملكة في التدخل بقوات برية خاصة.
***
ومن المؤسف أن يصل الحال بهم إلى درجة هذا التخبط، فلا يحسنوا حتى التعليق المقنع على دور المملكة الفاعل فيما يجري في سوريا إن سياسياً أو عسكرياً، دون أن يكون لإيران ونظام بشار ومعهما حزب الله أي قدرة في مواجهة الطيران السعودي في سماء سوريا في الوقت الحاضر، أو التأثير على سير المشاركة السعودية البرية القادمة في محاربة داعش، ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم مجموعة من الدول الأوروبية وغيرها.
***
ولعله من السخرية بمكان أن يتجاهل هؤلاء حضور المملكة المبكر في الأجواء السورية دون أن يكون لنظام بشار وعملائه وداعميه أي قدرة في المساس أو تعطيل المشاركة الجوية الفاعلة التي تنفذها المملكة منذ عام 2014 وحتى الآن، مكتفين بالتخبط الإعلامي أمام هذه المشاركة التي أصبحت معلومة، بينما لم يعد لإيران أي أثر أو قيمة في موازين القوى بالمنطقة مقارنة بالمملكة، وإن كان الموقف الأمريكي الرخو والموقف الروسي الداعم قد أضفيا على الوضع في إيران ودورها في المنطقة ما يشجعها على أن تخفي وضعها الصعب الذي تمر به وسط ظهور المقاتلين السعوديين بهذا الحزم والكفاءة العسكرية التي تفاجأ الإيرانيون بها.
***
ولا يمكن لمتابع فضلاً عن دول وهي تجد إيران في دوامة من القلق إلاّ أن يشفق عليها، وسط تنامي القوة العسكرية السعودية، ومعها تطور قدراتها لإفشال أي مؤامرات تقودها هذه الدولة المارقة للتأثير على استقرار دول المنطقة، حتى وإن استمر الإيرانيون يتعامون عن الحقائق، ويتجاهلون هذه التطورات، بينما يعرف الجميع أنه منذ تشكيل التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش وبدء العمليات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في شهر سبتمبر 2014 بمشاركة أكثر من 60 دولة وبينها المملكة، أن القوات الجوية السعودية نفذت في سوريا منذ ذلك اليوم وإلى الآن 189 مهمة قتالية، وليست فقط طلعات جوية.
***
وإذ تعلن المملكة عن استعدادها للمشاركة مع قوات التحالف بقوات برية خاصة لهزيمة داعش في سوريا، فإن مشاركة المملكة لن تكون مع منظمات أو تنظيمات أو حشود شعبية، وإنما مع دول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي يجب أن تكون شريكاً في قتال داعش، وهذا الموقف السعودي الحازم لن يغير من موقف المملكة الداعم للمعارضة المعتدلة وعلى رأسها الجيش الحر في سوريا، لإزاحة بشار الأسد الذي ليس له فرصة لحكم سوريا بعد أن قتل الشعب السوري بوحشية ودمر المدن السورية وحولها إلى أنقاض.
***
اجتماع وزراء الدفاع في التحالف الدولي، والذي عقد أمس في العاصمة البلجيكية، ومثَّلَ المملكة فيه ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، لابد وأنه ناقش المستجدات والتطورات والتفاصيل التي تمكِّن قوات التحالف من السيطرة على القدرات العسكرية لدى داعش، دون أن يسمح قتالها لداعش بحسب الموقف السعودي ما يقوي نظام بشار الأسد، أو يضعف المعارضة السورية المعتدلة، وهذا ما تتبناه المملكة وتطالب به باعتباره ضمن ثوابتها المشروعة.