خالد بن حمد المالك
بالبحث عن الصفوة بين المواطنين الأكثر تأهيلاً، من يضعون الإخلاص منهجاً وطريق حياة لهم، وبخاصة من يكونون مؤهلين للعمل بمواقع الإنتاج وسط هذا الزحام بين الكفاءات، بالبحث عن هؤلاء نكاد لا نعرفهم أو نتعرف عليهم، ليس عن قلة فيهم، وإنما لأننا بالكاد قد نصل إليهم وقد لا نصل، فقد غيّبهم الإعلام، وتجاهلهم المجتمع، واختاروا هم لأنفسهم الانكفاء والابتعاد عن الأضواء، قانعين بحالهم وأحوالهم، وليس بيننا من يذكِّر بهم، أو يدل على أماكن تواجدهم وتميزهم.
***
يحدث هذا كثيراً في كل المجتمعات، وبين شرائح المجتمع، وفي جميع الدول، ولسنا في المملكة استثناء في ذلك، حيث غياب الآلية التي تمكن صُنَّاع القرار من التعرف عليهم، فتكون الخسارة كبيرة، خسارة مواقع الإنتاج والعمل والإنجاز، وخسارة هؤلاء من أن يكونوا فاعلين ومؤثرين ومشاركين بتخصصاتهم وخبراتهم في الخدمة التي تتطلبها تخصصاتهم، وتحتاج إليها مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بكل مجالاتها وتنوعاتها.
***
جالت هذه الخاطرة في ذهني، أخذت حيزاً كبيراً من تفكيري، حملت معها مجموعة من الأسئلة، وكان أكثر ما أثارني من هذه الأسئلة بالنسبة للمملكة ذلك السؤال المؤرق عن عدم وجود بنك أو مركز للمعلومات يضم أسماء جميع خريجي الجامعات وحملة الماجستير والدكتوراه في جميع التخصصات، ويتم تحديثه أولاً بأول، بحيث يسهل من خلال مركز معلومات يُنشأ لهذا الغرض - إن لم يكن موجوداً - من الوصول إلى المتميزين والمبدعين والمتفوقين بضغطة زر أو عن طريق مفتاح صغير.
***
وجود مثل هذا البنك - حقيقة لا شكلاً - سوف يمكّن المسؤول من انتقاء حاجة الوطن من العلماء والخبراء من بين المتميزين الكثر في جميع التخصصات، متى دعت الحاجة إلى أيّ من التخصصات التي يحملونها، سواء في القطاع الخاص أو العام، في ظل تزايد عدد مؤسسات الدولة، وتنامي نشاط القطاع الخاص، وحاجتهما معاً إلى هذا النوع من الكفاءات الوطنية التي لا غنى لها عن مثل هؤلاء.
***
ولعل بوادر تحقيق هذا الأمل قد بدأت تورق منسجمة مع ما رأيناه مؤخراً من دخول أسماء شابة لم تكن بعضها معروفة من قبل إلى مواقع القيادات في الوزارات وأجهزة الدولة الأخرى، وبالتالي يومض هذا التوجه بنور قد يدلنا ويقربنا إلى تحقيق هذا الهدف، وقد آن له أن يتسع ويكبر، وأن يكون فاعلاً ومؤثراً وبداية لعمل أفضل، متى تم البحث عن المجهول الجميل المتمثل في تمكين العلماء والخبراء من العمل ضمن هذا الإطار.
***
وأمامنا الآن فرصة كبيرة لتحقيق هذا الهدف، وأمامنا حاجة أكبر لاستثمار كل العقول المبدعة في بناء مستقبل الوطن اقتصادياً وصناعياً وتعليمياً وصحياً وفي كل مجال، في ظل هذا الحراك الذي يقوده الملك سلمان في سابقة يشير إليها ويرمز إلى أهميتها مشروع (التحول الوطني)، الذي وُلد من رحم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وبشّر من خلال محاوره بما هو آتٍ في المستقبل القريب لتفعيل العمل في كل قطاعات الدولة.
***
لقد لقي التجديد في القيادات بوجوه بعضها لم يكن معروفاً من قبل، ما ألمح إلى أن التوجه الجديد في سياسة الملك سلمان بن عبدالعزيز قائمة على التدوير والتغيير والتجديد بين القيادات لتفعيل النشاط والحركة في إدارة مسؤوليات وأعمال الدولة، تجديد في الأفكار والرؤى لصالح مستقبل الوطن والمواطن، ما يشجع على تبنِّي آلية أو تنظيم يجعل كل الكفاءات وفي جميع التخصصات في عين القيادة للمفاضلة بينها في تحديث العمل وتفعيله على النحو الذي ينسجم مع النظرة المتفائلة لما ستكون عليه المملكة في المستقبل.
***
نريد أخيراً أن يتزاحم المواطنون كلٌّ وموقعه في اصطفاف لدعم التحول الوطني ومساندة أهدافه الواعدة، لا من أجل مصلحة شخصية على حساب المصلحة العامة، فهذا المشهد الذي رأيناه في ورشة (التحول الوطني) ينمُّ عن فكر خلاّق، ويشجع على الاهتمام غير المحدود بمخرجاته بين أفراد مجتمعنا، وفي هذا استشعار بالمسؤولية، وحدب عليها، وتوجُّه نحو دعم كل الأفكار التي تخدم الوطن، وتعزِّر من مكانته، وتجعله قادراً على مواجهة التحديات.