علي الخزيم
هذه النحلة اللطيفة فكّرت وقدرت فأرادت أن تُبَيّن للإنسان وكافة الحيوانات والحشرات أنها تملك قدرات إضافية غير تفوقها في بناء بيوتها الهندسية الراقية وإنتاجها للشراب الشافي اللذيذ الذي تتسابق اليه الناس وفئات من الطير والحيوان، قادها تفكيرها غير المنطقي هذه المرة إلى طريقة للفت الانتباه الى ملكاتها العقلية، غير أن هذه الملكات أوردتها المهالك فكانت ضحية لأفكارها وفداء لأخواتها من النحل مقابل أبراز هذه الموهبة العجيبة، فقد قرأت خبراً مفاده أنه مع الأيام الأولى من العام الميلادي الحالي ذكرت إحدى الخطوط الجوية الآسيوية أن نحلة كانت مختبئة في جهاز لقياس السرعة الجوية في إحدى طائراتها قد تسببت في تأخر إقلاعها أربع ساعات، وصرح المتحدث باسمها (أي الشركة وليس النحلة) بأن اختباء هذا الكائن تسبب بعطل في جهاز التحكم الإلكتروني بالمحرك.
ما المانع أن نتأمل مثل هذه الأحداث بين فينة واختها، وأن نترك للهزل المؤدي لاسترخاء الذهن والاعصاب دقائق في ساعات يومنا، فهو ادعى لان نعود للجد أكثر تعمقاً وتفكّراً وأبلغ في التعاطي مع الاحداث الجادة، المرح سلوك محبب حتى لدى النحل والنمل وهي من أدق مخلوقات الله جدية وصرامة بالعمل والانظمة الحياتية، وثمّت مقاطع مصورة لفرس تلاعب وتداعب ناقة حتى انهما اصبحتا صديقتين لا تسلو إحداهما عن الاخرى، وجمل يلاعب صاحبه كلما وجدا فرصة للمرح البريء حتى انهما يتسابقان بالمرابع، ولا أمتع وأجمل من لعب الطيور ومناوراتها الرشيقة لا سيما العصافير بأنواعها، وما يصاحبها من تغريد وشقشقة تطرب الإنسان رغم صلابة قلبه، وشدة بأسه، وفساد ظنونه، وركاكة مشاعره، اذا ما قورن بهذه المخلوقات اللطيفة.
سبق أن شاهدت فيلماً مترجماً وشخصياته تجمع بين الإنسان وأنواع من الحيوان بينها (الجرذ) أعزكم الله، قلت (أعزكم الله)، بينما الجرذ حينما كان يتحدث مع الانسان في ثنايا القصة كان يناديه: (يا انسان)، ثم يعقبها بالاعتذار، ويقول: المعذرة لم أقصد إهانتك بهذه الكلمة، ولكنها الحقيقة وواقع طبيعتكم!
الحيوان الضئيل يرسل إشارة لبني البشر بأنهم في أعين بقية الكائنات بهذا القدر والحجم، وبهذه النظرة الضيقة في اعينها، فكما أن الإنسان ينظر لها بعين الازدراء وربما الاحتقار لبعضها، والعداوة لكثير منها؛ فهي تبادله المشاعر ذاتها، طالما أن الخالق واحد والحكمة من خلقها متوفرة، بل ربما شَعَرَت أنها أصدق وأرقى بطريقة تعبّدها للرب سبحانه من الانسان، هذه المخلوقات لا تعتدي إلا بقدر ما أودعها الله من غرائز يَسّرها لها لتعيش، وهي بكل حال لا تعتدي او تظلم جنسها وفصيلتها، بينما عاش الإنسان ملايين السنين بما تخللها من معطيات التحضر والتقدم والعلم المُتدرج، ومع ما أرسله الله سبحانه للناس من الأنبياء والمصلحين، ومع كل الثقافات وبلاغة النثر والشعر إلا أن الإنسان ظلوم كفار، فتأمل من يكون المتوحش هل هي العنكبوت أم التمساح أو الحوت في ظلمات البحر، أم أنه الإنسان بما تؤكده الصور والأحداث المعاشة في عصر التحضّر التعيس؟!