د. صالح بن سعد اللحيدان
في الجزء الذي سلف، وما قد كان قبله شبيه له في طرح سابق عن المبهمات في الأسماء والكنى، وكذلك الألقاب ها أنذا أردف على لاحقة بلاحقة أخرى، وكنت قد كتبت في الجزء السالف من العدد 15836 من تاريخ 27/ 3/ 1437هـ، واليوم، ومن خلال ما لقيه هذا الكلام عن هذه الأشياء وأمثالها في هذا العصر، قد جرني كثيرٌ من الإلزام من كثيرٍ من الإخوة في المجامع العلمية واتحاد المؤرخين العرب أن أردف القول حثيثاً حثيثاً بتناولٍ لا بد أن يكون، ولعل من نافلة القول قولي: إن الناس اليوم بحاجة إلى مثل تفسير كافة المبهمات، وتفسير كافة الكنى الواردة في أسفار الأولين الذين عاشوا العلم حقيقةً، وعاشوا اللغة حقيقةً، وعاشوا النحو حقيقةً مثل ذلك البلاغة، وأولئك لم يكونوا وأيم الحق بحاجةٍ إلى التنقيب عن المعاني التي يحتاجونها، إنما يفهمون كل شاردة وواردة من نوادر الكلام؛ للدلالة عن المعاني، وللدلالة عن الأحكام، ومعرفة المفردات الدالة على الأماكن على وتيرة يظن الظان أنهم كأنهم يقرأون العلم واللغة بناصية من فهم سديد، وعقل رشيد. واليوم أجزم ليس الجزم كله وأقطع ليس القطع كله، أنَّ قومي يحتاجون إلى تفسير كثيرٍ من المبهمات في مسائل الواردات عند السالفين في مطولات العلم وفروعه، ولعلي واحدٌ ممن شارك ولم يزل في كثيرٍ من النوادي الأدبية والمجالس العلمية قد راقبت كثيراً من الناس يدونون بعض الوارد مما يتلى عليهم في محاضرة، أو حوار، أو ندوة حتى يعودوا إلى التنقيب عن المعاني التي لا يدركون المعاني منها، أليس هذا بداعٍ إلى طرحٍ لبيان حقيقة المعاني من المبهمات والكنى والأماكن؟ أليس هذا ولا جرم هو الحقيقة بأن يدون ويكتب؟ ألم نلحظ وأيم الحق أن القراءة اليوم قد قلت إلا على الخفيف من المكتوب؟ أليس الواقع دالاً على هذا من قليل أو كثير؟ أليس الحقُ أحقَ أن يذهب إليه؟ ومن المعلوم من حال العلم بالضرورة أن سبق العقل للقلب، وسبق العقل للعاطفة يقيد العجلة فلا يعرج الإنسان إلا على الثقيل تاركاً قراءة المتعة إنما قراءة الفهم وتطبيق النص على الواقع فهماً وإدراكاً، وها أنا أُبيِّن بعض ما يجب بيانه ويجب تبيانه على حالٍ من حال لا بد منها، فأبيِّن الآن ما يلي:
أولاً: هناك زعمٌ أن قبر آمنة بنت وهب موجود في الأبواء، والصحيح ليس كذلك، وأنا أقطع بهذا وقد قطع به قبلي الإمام الطبراني في المعجم الأوسط عن ابن مسعود - رضي الله عنه -.
ثانياً: ليس حقيقياً على قطع مني أن موضع مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو مكان المكتبة الموجودة بمكة قريب من الكعبة، وقد أبطل هذا ثلاثةٌ من كبار العلماء في التهميش على السيرة النبوية لابن هشام، وأوافقهم على هذا حسب معرفتي على الأسانيد ومسائل الجرح والتعديل، ومثل هذا الأمر وإن كان لا يتعلق به حكم شرعي، لكنه يحتاج إلى سند للتثبت من حقيقة الموضع، أما الظن، وأما الاجتهاد، وأما إلقاء القول على العلات، فليس بصواب، ناهيك عن العجلة، وترك الأسنايد شذر مذر،
وهذا الأمر والذي قبله كنت قد بينته بناسفةٍ من تحقيق طويل، كنت قد عالجته في النادي الأدبي بمدينة الطائف.
ثالثاً: هناك زعم متطاول ولا جرم أنَّ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قبره في الكوفة وابن كثير وسواه من محقق الآراء والروايات لم يجزموا بهذا، قال ابن لحيدان: والصحيح أنه - رضي الله عنه - قد خشي ابنه الحسن، وكذا الحسين خشيا، وكذلك جملة من الصحابة من أصحاب علي ومعاوية خشوا الفتنة وأن يفتتن به الجهال، فدفن خارج الكوفة بعدة أميال، ولا يعلم قبره إلى اليوم، ومثل هذا زعم الزاعمون على تطاول القرون أن رأس الحسين بمصر، وليس كذلك، وهذا أمر أبطله الحس والعقل على الناطحة من قول سديد، وانتقل الآن إلى بعض ما يحسن بيان معناه وتفسير المراد منه فأقول:
أولاً: شاكي السلاح: حاد السلاح وقويه، وليس كما يقال كثير السلاح.
ثانياً: سراة القوم: كرام القوم, تواضعاً وعدلاً، وليس كما هو مدون في بعض الأسفار (كثير القوم).
ثالثاً: رحى الحرب: شدة أوارها لا كثرتها.
رابعاً: القرم: إنما هو فحل الإبل القوي الكريم على تابعه. ويطلق مجازاً على الرجل القوي الشهم النزيه.
خامساً: السجال يقال: سجال بين عالمين، أو أديبين، وهو النقاش للوصول إلى الحقيقة المرادة، وهذا من المجاز، وإلا فالأصل أن السجل هو الوعاء يملأ ماء. والمراد هنا المكافأة في الحرب بين فريقين.
سادساً: إخوة النبي- صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وعمه حمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد، والتي أرضعتهم مولاة أبي لهب، وليس كما يظن بعض طلاب العلم والمحققين أنها (حليمة السعدية)، وهذا أقطع به ولا نكاره.
سابعاً: جبل الرماة، جبل صغير تحت جبل أحد. وسبب التسمية أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر عبدالله بن جبير، وثلة من الصحابة يقربون من الأربعين أن يكونوا فوقه في قصه معروفة وطويلة ليس هنا مجال إيرادها، وليس جبل الرماة كما يزعم أنه جبل لا علة لتسميته.
ثامناً: حمراء الأسد: موضع معروف منذ القدم بينه وبين المدينة قرابة 10كيلاً على وجه التقريب، ولهذا الموقع شهرته إذ هو المكان الذي أنحاز إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ومن كان معه من الصحابة يوم غزوة أحد، وهذا هو الصحيح وليس قبلها فهذا بعيد.
تاسعاً: جبل أحد يقرب طوله من سبعة كيلاً على وجه التقريب، وهو غير مستوٍ، بل هو في قمته متعرج وقد ورد فيه حديث ( أحدٌ يحبنا ونحبه)، وبينه وبين الحرم قرابة خمسه أكيال. وإنما سمي بأحد؛ لأنه جبلٌ واحد متحد في طوله وارتفاعه، وهو من علامات المدينة.
عاشراً: ذات الرقاع هذه صفة مشهورة عند غالب المحدثين، وأهل التاريخ، والذين سلكوا مسلك الروايات دون ناهضةٍ من سند صحيح. وذات الرقاع هي موقعة جرت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قوم أرادهم على الإسلام، وهي غزوة معروفة لكن سبب التسمية كما يلي:
قيل: كان الصحابة جلهم حفاة فكانوا يقطعون بعض أرديتهم فينتعلونها، وقيل: كانت أرضاً فيها جبل يقال له (ذات الرقاع)،
وقيل: رقعوا راياتهم حينما تمزقت. والذي يظهر لي هو الأول.
الحادي عشر: سعد بن معاذ هو من اهتز له (العرش) عند موته، وليس كما هو مدوَّن عند البعض أنه سعد بن عبادة،
وكلاهما سيد من سادات الصحابة من الأنصار.
الثاني عشر: ضرار بن الخطاب: ليس هذا أخاً لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فضرار بن الخطاب إنما هو ابن مرداس من (فهر) إنما أخو عمر زيد بن الخطاب ابن نفيل العدوي من قريش.
الثالث عشر: الحديبية، موقع مشهور عن عامة العلماء من المحدثين، وأهل التحقيق من المؤرخين وكتاب السير. وسبب التسمية على ما صح لدي إنما جاء بسبب وجود بئر فائضة بماء كثير، وهذه البئر يمر بها الركبان خلال القرون ذهاباً وإياباً، وهي قريبة من مكة.
الرابع عشر: خيبر، هذا العلم أو إن شئت فقل الاسم ليس اسماً، إنما هو وصفٌ على أرض زراعية ذات أرض، وضرع، ولعل أول من سكنها (العمالقة). وإنما سميت خيبر؛ لكثرة الحصون أو لعل ذلك لكثرة ما يجتمع في بعض مواضعها من الماء (فيقال خبراء أو الخبراء).
الخامس عشر: العزى، هناك من قال إنها حصن، وهناك من قال إنها بناية صغيرة، وهناك من قال إنها شجرة، والذي توصلت إليه أن العزى - والله أعلم - بيت كبير وواسع بني من الحجر والطين على ارتفاع واضح، وكان هذا البيت يقع بمكان يدعى نخلة معروفة إلى اليوم، وكان بعض أهل الجاهلية يزعمون أنها من الجان تسكن في هذا المكان، وكانوا يتقربون إليها ويتعبدون، ولهذا قصة ذكر عامة المؤرخين، وكان سدنتها وحجابها من بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم، ولما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها علق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي فيه، وهو يقول:
أيا عزَ شدي شدة لا شوى لها على خالد القي القناع وشمري
فلما انتهى إليها خالد هدمها، ثم رجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
قلت ذكر هذا ابن هشام في سيرته جـ1 ص436 / 437
قلت: وخالد هو ابن الوليد قلت كذلك وحين رأى العرب ذلك ولم يحصل شيء استنطقوا عقولهم فآمن جلهم وفي لاحقٍ سوف إن شاء الله تعالى أبيِّن المزيد من هذا لعلي أفيد وأستفيد.