هاني سالم مسهور
تتوالى أخبار تقدم قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي عبر المحور الشمال الشرقي للعاصمة اليمنية صنعاء، فبعد أن سيطر الجيش الوطني على «فرضة نهم» يتقدم باتجاه منطقة «أرحب» والتي تُعَدُّ هي الحزام الثاني للعاصمة، والتي تخضع لتشكيل حصار عليها مع تعزيز الجيش اليمني لوجوده على الساحل الغربي وخاصة في ميناء ميدي والذي فتح الطريق نحو تحرير مدينة الحديدة جنوباً والتوجه نحو صنعاء لبدء حصارها.
في 26 سبتمبر 1962م أُطيح بالإمام اليمني محمد البدر، من عشيرة حميد الدين الزيدية، على يد مجموعة من الضباط العسكريين الذين أسسوا ما عُرف بالجمهورية العربية اليمنية، مما أشار إلى انتهاء أكثر من ألف عام من الحكم الديني الزيدي في اليمن. وقد فرَّ الإمام المخلوع إلى شمال البلاد وجمع ائتلافاً من القبائل الزيدية من أجل تشكيل معارضة مسلحة للنظام الجمهوري. وعلى مدى السنوات الست المقبلة، تدخلت أكثر من عشرة بلدان ومنظمات مختلفة في الحرب الأهلية في اليمن في محاولة للتأثير بصورة أو بأخرى على النتيجة النهائية للصراع اليمني. وفي ذروة الحرب في عام 1968م تم حصار صنعاء من قبل القبائل الشمالية الموالية للإمام ولمدة دامت سبعين يوماً.
وقبل بدء الحصار فرَّ معظم أفراد طبقة النخبة السياسية من صنعاء تاركين وراءهم حكومة مركزية ضعيفة إلى جانب بضعة آلاف من الجنود للدفاع عن العاصمة. وعلى الرغم من الصعوبات القوية التي واجهت استمرار الجمهورية، تم إنقاذ المدينة من خلال تضافر عمليات النقل الجوي السوفيتية التي وصلت في الوقت المناسب، وتورُّط قيادات جيش الإمام في سلسلة من الحسابات الخاطئة في ساحة المعركة. وأصبح الدفاع عن صنعاء لحظة فارقة في التاريخ الحديث للجمهورية اليمنية. ويدّعي جيل من السياسيين اليمنيين، بمن فيهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بأنهم كانوا من بين المدافعين عن العاصمة في عام 1968، معتبرين أنفسهم أبطالاً قوميين.
جدير هنا ما أدلى به المراسل لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة «برافدا» السوفيتية بافل ديميچينكو، بالملاحظة الأكثر دقة عن النزاع كله: لم يكن سبتمبر عام 1962 ثورة بل «أسلوب يعود لقرون من الزمن حول تغيير النظام اليمني». هذا الجزء من الأهمية بمكان استحضاره ونحن على اعتاب صنعاء مرة أخرى وفي استعادة تاريخية لحادثة تجاوزت نصف القرن.
إن أوجه التشابه التاريخية بين التمرد الحوثي والقوات القبلية للإمام الزيدي السابق في ستينات القرن الماضي تتجاوز مجرد التوقعات. فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام والمنشورات الحوثية الرسمية تنفي وجود أي نوايا لإعادة الإمامة إلى اليمن، إلا أنه يُعرف في المجتمع اليمني بأن هناك آمالاً تراود أفراداً من نسب «السَّيِّد» لاستعادة الزعامة الدينية واستئناف السيادة التراتبية. وفي هذا السياق ذاته تلاقت المصلحة الحوثية الدفينة مع المطامع الإيرانية.
بغض النظر عن الكيفية التي يمكن بها تفسير التمرد الحوثي من قبل الكثير من الدول الإقليمية ووسائل الإعلام الأجنبية، بأنه جزء من الصراع الطائفي بين إيران والمملكة العربية السعودية، أو كعلامة على انتشار التطرف الديني، إلا أن كثيراً من النخبة اليمنية الفكرية والسياسية تعتقد بأنه استمرار لعقود من التوترات السياسية بين النخبة القبلية الزيدية والدولة اليمنية الحديثة.
تبدو كثير من التقاطعات التاريخية تُستَحضر كلما اقتربت القوات الشرعية من العاصمة صنعاء، هذه التقاطعات برغم أنها تجد عند الكثيرين شيئاً غائراً يمكن القراءة فيه والتعاطي مع مدى ما يمكن لمستقبل اليمن أن يكون، غير أنه يصطدم بواقع مختلف، حيث تبدو المسألة اليمنية الداخلية في صراعها الحاضر أكثر عبثية من تلكم الحقبة من التاريخ، فما يلعبه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من أدوار منذ بداية الأزمة السياسية في فبراير 2011م تؤكد واقعاً آخر لا يمكننا تجاهله بتاتاً، فالمخلوع الذي وجد في الحوثيين قوة ودوافع ورغبات جامحة تفتقد العقل والتفكير يراهن على تسوية سياسية يكون فيها هو الرابح بينما يحصد الحوثيون وحدهم الخسارة.
المعادلة باتت أكثر صعوبة ليس من قبل السعودية أو حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، بل من جهة طرفين فقط هما القبائل اليمنية من طرف والمخلوع صالح وشركاؤه الحوثيون من طرف آخر، لذلك فإن على الحكومة الشرعية وهي تطرق أبواب صنعاء أن تجيد الخطاب للقبائل السبعة الكبرى التي طالما كانت هي الحامية لصنعاء عبر عصور التاريخ وحفظتها من أن تدفع أثماناً باهظة في الصراعات السياسية اليمنية، ومؤكد أن هذه القبائل لن تقبل سقوطاً لصنعاء فيكفي خمسين عاماً من صراع الجمهورية الطويل في محاولة الدخول للدولة الحديثة، فالتمرد له نهاية وشيكة أكيدة ولصنعاء موعدها مع الحرية والعودة لحضن العرب، وللحوثيين بيت من شعر البردوني قال فيه:
قل للإمام: وإن تحفّز سيفه
أعوانك الأخيار شرّ ذئاب