هاني سالم مسهور
في منتصف يناير 2016م تحدث قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري عن تجهيز مائتي ألف من القوات الشبابية الإيرانية وتم إرسالهم إلى عدد من الدول، هذا التصريح وفي هذا التوقيت الذي نقلته وكالة الأنباء الايرانية الرسمية -فارس- يعطينا تأكيدات كاملة على ارتباط النظام الإيراني بالتنظيم الإرهابي المتوحش «داعش»، ويضعنا أمام تصورات لما يجب أن يكون عليه موقفنا، فالسيارات المفخخة التي تضرب العاصمة عدن منذ عودة نائب الرئيس اليمني خالد بحاح لا يمكن أن تتجاوز ارتباطاً بالاعتداء الإرهابي الجبان في مسجد الرضا بحي المحاسن بمحافظة الأحساء السعودية.
ما يربط العمليات الإرهابية هو الفاعل المشترك لها والمستفيد الوحيد منها وهو إيران والمنفذ المتفرد لعملياتها عبر أذرعتها المتوحشة «داعش» و»القاعدة» التي أغرقت المنطقة مع الجماعات الأخرى كالحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي في صراع دامٍ يهدف لإشاعة الفوضى في كل العالم العربي لتحقيق أهداف الثورة الخمينية بالتوسع الإيراني.
ما يوثق هذه العلاقة الداعشية الإيرانية الرسالة التي وجهها المتحدث باسم «داعش» المكنى أبو محمد العدناني، لأيمن الظواهري بالنص الواضح: «ظلت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران، لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان، امتثالاً لأمر القاعدة، للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران.
ورغم الدعاية الواسعة والحرب والعداء المعلن في وسائل الإعلام الإيرانية تجاه «داعش»، فإن طهران لم تشن حرباً على «داعش» في العراق وسوريا، بل تستهدف التيارات والشخصيات الوطنية المعارضة لمشروعها في تلك البلدين. وربط العديد من الخبراء والمحللين الإستراتجيين داعش بالسياسية والمشروع الإيراني نظراً للمواقع والأماكن المستهدفة داعشياً والمصالح التي تحققها لصالح طهران. ففي سوريا تحارب (داعش) الجيش الحر وتستهدف القوى الثورية، وتتجنب منذ أكثر من عامين الاصطدام مع النظام السوري والمليشيات الشيعية مثل (حزب الله) اللبناني و(عصائب أهل الحق) وقوات (الحرس الثوري الإيراني) وغيرها، التي تتواجد بكثافة على الأراضي السورية، مما يثبت بأن هناك علاقة وثيقة بين داعش من جهة والنظاميين السوري والإيراني من جهة أخرى.
إيران التي عملت المستحيل لاستجداء الحل الدولي لملفها النووي، والتي تظهر حالها بأنها مسترجلة وأنها تفرض سياساتها على الغرب، كانت أكثر حرصاً على الخروج من الأزمة ومن النفق بعد ما سلمت ما بحوزتها لوكالة الطاقة الدولية، والمفتشين الدوليين، ورضيت برفع تدريجي للحصار الاقتصادي، وكنا نتوقع أن إيران التي عاشت طيلة ستة وثلاثين عاماً على صناعة العدو الخارجي، واستدعاء العدو الخارجي، وبعدما انتهت من مسرحية الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر، عادت طهران اليوم لشيطنة «داعش» وفي ذات الوقت العمل سراً على تمكينها ودعمها، بهدف إبقاء المواطن الإيراني مشغولاً بتعبئة خارجية دائمة كيلا يلتفت إلى الداخل، وفي الداخل مكمن الخوف.
الخشية الإيرانية من الجهد الدولي لمواجهة تنظيم داعش، بأن يكون الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله وأدواته وتمويله، وهو الأمر الذي شجع المملكة العربية السعودية لدعم هذا الجهد إضافة إلى مصر، حيث ترى الرياض بأن محاربة الإرهاب تشمل داعش والقاعدة وجبهة النصر وحركة التمرد الحوثية أيضاً، فيما تخشى إيران من وأد النتائج العملية التي حصدها الحوثيون في اليمن بعد توالي هزائمهم واقتراب التحالف العربي من أبواب صنعاء لتحريرها وإعادتها لمحيطها العربي.
وندلل بتصريحات وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر من أن إيران تشكل خطراً إستراتيجياً، بينما «داعش» تشكل خطراً عابراً، وأن خطة إيران الاستراتيجية تشكيل حزام وهلال شيعي يسهم في إحياء آمال إيران الامبراطورية الفارسية في المنطقة صادمة في توقيتها لإيران، وأنها السبب الرئيس في التحريض الطائفي في المنطقة، حديث كيسنجر لقناة سي بي إس، بأنه يعتقد أن إيران تمثل مشكلة أكبر مما يسمى بتنظيم داعش، لأنه بحسب تحليله مجرد مجموعة من المغامرين الذين يعتنقون أفكاراً عنيفة، وأن «داعش» لن يصبح واقعاً استراتيجياً دائماً، إلا إذا تمكن من الاستيلاء على مزيد من الأراضي.