د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** اعتدنا الاهتمامَ بمن يُسمَون «المشاهير» أو «النجوم» حتى نكادَ نعرفُ دواخلَهم كما خوارجِهم، وسكناتهم مثل حركاتهم، وذويهم أكثر من ذواتهم، وهو ما يدفعُ المهمومين بالشهرة أن يعرضوا أنفسهم بكل الأشكال المتاحة المباحة وغير المباحة كي يبدُوا في صورةٍ تُرضي هوسهم فيُرَوا ويُذكرُوا ويُشارَ إليهم بالأصابع، ولا فرق حينها لو كانت أصابعَ صغيرةً أو متسخةً أو مصنعةً مصطنعة.
** ليهنأُوا بما اختاروه، ولنعدِّ عنهم إلى «المهمشين الممتلئين» الذين يسكنون أذهاننا ولو غابوا عن المشهد والشهود فاختاروا الظلَّ بهدوئه اللذيذ الذي لا يعرف طعمَه اللاهون تحت اللهب.
** والسؤالُ هنا: هل ثَمَّ ظلٌ نفيء إليه و»قيوظُ الشَّقاء وصقيع الشِّتاء» بجوارنا تجعلنا غير عابئين بفوارق الفصول ومبدئيات الأصول؟ وهل لكتاباتنا معنىً وكلُّ ما حولنا حروبُ دولٍ وحرابُ جماعاتٍ واحتراب أفراد؟ وهل المهمشون والهامشيون أكثرُ سعادةً أو أقل بؤسًا ممن تُعشيهم شموسُ الظلام ذاتُ الوهج الحارق والهجير الغارق؟
** الظن ألا إجابة حتى لو التجأنا إلى حكمة المتنبي؛ فذوو العقول كما إخوة الجهالة متعادلون في زمنٍ اخترق الأسوار وأباح الأسرار وصارت المعلومةُ المحققة والملفقة جزءًا من صَبوحنا وغَبوقنا نتلقاها في الفلق كما الغسق، وحين نُغلق مساحاتنا تتسللُ إلى مساماتنا، ويغيب التحليل والتعليل أمام التخييل والتمثيل.
(2)
** عزم أستاذٌ مختصٌ في علم النفس على رصد حكايات بعض «المهمشين» في مدينته ليقينه أن لديهم ما يُحتفَى به بالرغم من ظن الناس أنهم أقل درايةً وأدنى شأنا، ولا ندري ما صنع الزمنُ بمشروعه الذي لو أُنجز لنقل إلينا إضاءاتٍ معرفيةً ومجتمعيةً تستحق التسجيل والتبجيل، وحين نستعيد رواية العصفورية للقصيبي - عليه رحمة الله - نجدها قد حملت العقل والعلم والحلم من «البروفيسور» الذي وهم الأكثرون أنه ناءٍ عنها، والفارق أن الرواية تبقى عملًا لا يعنيه الصدق، فيما نبحث في التأريخ عن سيرٍ محسوسة عبر امتداد الضوء الهادئِ الهادي إلى مسيرتهم.
** يمكن التمثيل بالشخوص المعينين في مثل هذا المقام، إذ لا يغيب عن البال رموزٌ في بيئاتهم يُسعى إليهم ويَتناقل طُرفَهم أهالي بلدانهم؛ مميزين بخفة ظلهم وحدة نقدهم وواسع اختلافهم عمّن بقربهم دون أن يخشوا سلطويًا أو متنفذًا لعلم الجميع أنهم مكوِّنٌ لا يستجيب لشروط العَقد الاجتماعي الرسمي، وفي بعض ما يُحكى عنهم ما يحاسَب عليه لو حكاه غيرهم.
** في ذاكرة كل منا أسماءٌ يعيها أو سمع عنها، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى ذاكرة مجتمعية لا تُؤْثرُ الكبيرَ والقادر والوجيه وذا الشأن؛ ففي الزوايا الخلفية مشاهدُ أنقى وأرقى وربما أبقى؛ فهل نلتفت إليها؟
(3)
** هروب الذاكرة حضور.